في تطور جديد بشأن الحادث المأساوي الذي وقع في مدينة 6 أكتوبر، غرب العاصمة المصرية القاهرة، كشفت نقابة المهندسين المصريين في تقرير فني رسمي، عن وقائع دقيقة ومتعمقة بخصوص انفجار خط الغاز الطبيعي الذي أودى بحياة ستة مواطنين وأدى إلى إصابة ثلاثة عشر آخرين بإصابات متفرقة.
ويُعد هذا الحادث من أكثر الحوادث خطورة التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، نظرًا لحجم الأضرار البشرية والمادية التي خلفها، إضافة إلى تسليطه الضوء على أوجه القصور في إجراءات التنسيق والسلامة المهنية بين الجهات المنفذة للأعمال المدنية وشركات المرافق العامة.
وأوضح التقرير، الذي أعدته لجنة فنية متخصصة من نقابة المهندسين، أن الانفجار وقع نتيجة تعرض أحد خطوط الغاز الطبيعي الرئيسة لكسر مباشر خلال أعمال حفر في المنطقة، وقد كانت هذه الأعمال تُنفذ بواسطة إحدى شركات المقاولات، دون التنسيق المسبق مع الجهات المختصة بشبكات المرافق، وعلى رأسها الشركة القابضة للغاز الطبيعي.
وأكدت اللجنة أن عملية الحفر تمت دون الرجوع إلى الخرائط الهندسية أو التنسيق مع الجهات المالكة للبنية التحتية، وهو ما أدى إلى اصطدام إحدى المعدات الثقيلة، وتحديدًا "لودر"، بخط الغاز أثناء أعمال التمهيد والحفر، ما تسبب في حدوث كسر مباشر بالأنبوب.
ووفقًا لما ورد في التقرير، فإن الكسر الذي أصاب خط الغاز أدى إلى تسريب كميات كبيرة من الغاز إلى الجو المحيط، واستمر هذا التسريب لفترة تجاوزت 48 ساعة دون أن تتم ملاحظته أو اتخاذ إجراءات فورية لاحتوائه، وخلال تلك الفترة، ارتفعت درجة تركيز الغاز في الهواء بشكل تدريجي، حتى بلغ مستوى خطيرًا قابلاً للاشتعال، لا سيما مع ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة، بالإضافة إلى كثافة حركة المرور.
ورجّحت اللجنة أن الشرارة التي أشعلت الغازات المتراكمة في الهواء قد تكون ناتجة عن مرور سيارة أو حدوث احتكاك معدني في مكان قريب من منطقة التسرب، ما أدى إلى انفجار عنيف التهم المركبات القريبة، وأدى إلى وقوع ضحايا.
أحد أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها لجنة تقصي الحقائق، هو أن مؤشرات الضغط في الخط، والتي تم تسجيلها قبل ساعات من الانفجار، تشير بوضوح إلى وجود "كبس" غير طبيعي داخل الأنبوب، وهي دلالة قوية على أن التسرب بدأ فعليًا في الليلة التي سبقت الانفجار، ولفت التقرير إلى أن عدم الانتباه لهذه المؤشرات أو عدم وجود منظومة مراقبة فعالة كان أحد العوامل التي أدت إلى تفاقم الحادث.
وفي أعقاب الحادث، أعلنت السلطات الأمنية ضبط سائق اللودر الذي تسبب في كسر خط الغاز، إضافة إلى مهندس تابع لشركة المقاولات المسؤولة عن تنفيذ أعمال الحفر في المنطقة، وقد بدأت الجهات المعنية التحقيق معهما، وسط توقعات بإحالة الملف إلى النيابة العامة لفتح تحقيق جنائي شامل حول الإهمال وسوء التنسيق، الذي تسبب في هذه الكارثة.
أثار الحادث ردود فعل واسعة في الأوساط الهندسية والنيابية المصرية، حيث دعا عدد من الخبراء إلى إعادة النظر في منظومة العمل الميداني بين شركات المقاولات والهيئات المسؤولة عن شبكات الخدمات الحيوية مثل الكهرباء، المياه، والغاز.
وشدد التقرير على أهمية الالتزام الصارم بإجراءات السلامة قبل بدء أي أعمال حفر، بما في ذلك إجراء مسح شامل للموقع، والرجوع إلى خرائط المرافق تحت الأرض، والتنسيق المسبق مع الجهات المالكة للبنية التحتية، كما أوصى بضرورة استخدام تقنيات الكشف الجيوفيزيائي لتحديد مواقع أنابيب الغاز بدقة قبل مباشرة أي أعمال مدنية.
تسلط حادثة انفجار خط الغاز في مدينة 6 أكتوبر الضوء على أهمية الالتزام بالتنسيق الفني والسلامة المهنية في مواقع العمل، خاصة في المناطق المأهولة بالسكان، وحيث تمر شبكات حيوية تحت الأرض، وتؤكد هذه الحادثة ضرورة تحديث بروتوكولات العمل، وتكثيف التدريب الميداني للمهندسين والفنيين، لضمان تفادي كوارث مشابهة مستقبلًا، وحماية أرواح المواطنين ومقدرات الدولة من الخطر.