في مشهد أثار موجة من التفاعل الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي، التُقطت للرئيس الأميركي دونالد ترامب صورة وهو يحمل هاتف آيفون، وتحديدًا ظهرت صورة شاشة القفل الخاصة به، والتي بدت غريبة بعض الشيء للكثيرين، الصورة التي نشرتها وكالة "رويترز" بدقة عالية، أظهرت ترامب بوجه صارم وهو يشير بإصبعه مباشرة نحو الكاميرا، في لقطة اعتبرها البعض تعبيرًا عن التحدي والقوة، فيما رأى فيها آخرون دليلاً على النرجسية والاهتمام المفرط بالذات، وعلى الرغم من بساطة الصورة، إلا أن دلالاتها الرمزية كانت كافية لإشعال الجدل السياسي والثقافي بين مؤيديه وخصومه.
هذه الصورة تعيد إلى الواجهة ذلك الفضول المتجدد حول نوعية الهاتف الذكي الذي يستخدمه رؤساء الولايات المتحدة، وهو اهتمام لا يقتصر فقط على الفضول الشعبي، بل له أبعاد أمنية وتقنية وسياسية، منذ عهد باراك أوباما، كان موضوع الهواتف الرئاسية مثار نقاش، بدءًا من حرص أوباما على استخدام جهاز بلاك بيري الشهير الذي خضع لتعديلات أمنية دقيقة بالتعاون مع وكالة الأمن القومي، وصولًا إلى استخدامه لجهاز معدل يعمل بنظام ويندوز موبايل، وعلى الرغم من حبه للتكنولوجيا، فإن أوباما اضطر للامتثال لإجراءات أمنية صارمة، منعته حتى من استخدام هاتف آيفون، رغم حصوله على جهاز آيباد 2 كهدية من ستيف جوبز نفسه.
إقرأ ايضاً:ميركاتو صيفي ناري في دوري روشن صراع الاتحاد والقادسية على سفاح عالمي!بلدية القصب تُشدد الرقابة وتُبهج السكان بـ"هدية العيد"!
لكن مع دخول ترامب الساحة الرئاسية عام 2016، تغيرت قواعد اللعبة، الرئيس الذي لم يخفِ يومًا ولعه بمنصات التواصل الاجتماعي، استخدم هاتفه الذكي كسلاح سياسي، لا سيما على منصة تويتر – المعروفة الآن باسم "إكس"، لم يكن الهاتف بالنسبة له مجرد أداة تواصل، بل كان أداة للسلطة، للتوجيه، وللتعبير المباشر عن مواقفه بعيدًا عن مؤسسات الإعلام التقليدي، وتشير تقارير إلى أن ترامب امتلك هاتفين من طراز آيفون، خصص أحدهما للتغريدات، والآخر للمكالمات، في إجراء اعتبره البعض محاولة للفصل بين الحياة السياسية والتواصل الشخصي، رغم التحذيرات المستمرة من مخاطر التجسس وسهولة الاختراق.
ومع عودته إلى البيت الأبيض في عام 2025، تجدد الجدل بشأن جهاز ترامب المحمول، حيث ظهر مجددًا وهو يستخدم آيفون، ما يدل على استمرار ولائه لأجهزة "أبل"، رغم التحديات الجمركية وارتفاع أسعار هذه الأجهزة، فإن وكالة اتصالات البيت الأبيض تتكفل بتوفير كل الأجهزة المطلوبة للرئيس، ما يعفيه من الأعباء المالية ويؤمن له مستوى معينًا من الحماية التقنية، لكن ما لم يكن بالحسبان هو أن تصبح صورة شاشة القفل على هاتفه الشخصي مادة جدل جديد.
الصورة التي ظهرت على شاشة قفل هاتف ترامب لم تكن مجرد صورة شخصية، بل حملت معها رسائل ضمنية مختلفة لكل طرف، بالنسبة لمناصريه، كانت الصورة تعبيرًا عن قائد حازم، واثق، لا يخشى المواجهة ولا يختبئ وراء العبارات المنمقة، أما معارضوه، فقد رأوا فيها تمجيدًا مفرطًا للذات، وتساؤلاً مشروعًا: لماذا يختار رئيس دولة أن يضع صورة لنفسه على شاشة قفل هاتفه، عوضًا عن صور عائلية أو رموز وطنية.
المفارقة أن هذه الصورة، رغم بساطتها، كشفت عن عمق الانقسام السياسي والثقافي في المجتمع الأميركي، حيث تُقرأ الإشارات البصرية من زوايا مختلفة، وتتخذ معاني متعددة بحسب الانتماء السياسي والموقف من ترامب نفسه، وبينما يرى فيها البعض رمزًا للقوة والهيبة، يفسرها آخرون على أنها دليل على تغليب الأنا على المصلحة العامة.
وبعيدًا عن الصورة، فإن استمرار ترامب في استخدام آيفون يفتح الباب لتساؤلات أوسع حول مدى جهوزية الأجهزة الرئاسية لتأمين الاتصالات من التهديدات السيبرانية المتزايدة، خاصة أن "أبل" كشركة، لا توفر نسخة رئاسية أو أمنية خاصة من أجهزتها، وإنما تعتمد على بروتوكولات الحماية التقليدية التي تُضاف إليها عادة إجراءات حكومية سرية، ما يطرح علامات استفهام حول كفاءة تلك الإجراءات في عالم يزداد فيه تطور الهجمات الإلكترونية.
في نهاية المطاف، تبقى صورة شاشة قفل آيفون ترامب مجرد تفصيل صغير ضمن مشهد سياسي أعقد، لكنها تبرهن على أن التفاصيل الشخصية لقائد عالمي مثل الرئيس الأميركي لا تمر مرور الكرام، وأن كل لقطة، مهما بدت عابرة، قد تتحول إلى مرآة تعكس الصراعات والتفسيرات والانتماءات في مجتمع يقف على حافة الاستقطاب الدائم.