أصدرت المحكمة التجارية في الرياض حكماً قضائياً يُلزم أحد المواطنين بسداد أكثر من 1.7 مليون ريال، وهي المبالغ المستحقة عليه مقابل حصته في الخسائر التي تعرضت لها شركة طبية شارك في تأسيسها ويملك أكثر من 30% من أسهمها، ويأتي هذا الحكم في سياق الدعوى التي أقامتها الشركة ضده، مطالبة إياه بتحمل مسؤوليته المالية في ظل ما وصفته الشركة بتدهور أوضاعها المالية وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤجرين والموردين.
وتعود تفاصيل القضية إلى ما شهدته الشركة من تعثر مالي حاد، أدى إلى عجزها عن سداد الإيجارات والمستحقات المتراكمة لصالح عدد من الموردين، وهو ما اضطر الشركاء إلى اللجوء للقضاء بهدف تحصيل الحقوق المالية من أحد الشركاء المؤسسين الذي لم يستكمل ما عليه من التزامات، وأكدت الشركة في دعواها أن اتفاقاً موثقاً قد جرى بين الشركاء يلزم كل طرف بتحمل ما يوازي حصته من الخسائر، بناءً على نسب الملكية المسجلة في النظام الأساسي للشركة.
إقرأ ايضاً:صراع الكبار يتجه إلى هونغ كونغ.. قرعة كأس السوبر السعودي 2025 تُكشف في هذا الموعدفي هذا الموعد.."المرور" يفتح مزاد الأرقام المميزة ويدعو الجميع للتميز
ووفقاً للمستندات المقدمة للمحكمة، فإن الشريك المُدان كان قد وقّع على قرار الشركاء بتحمل كل طرف لجزء من الخسائر، كما قام في وقت سابق بسداد جزء من المبلغ المطلوب، قبل أن يتوقف لاحقاً عن استكمال السداد، مما فاقم الأزمة المالية التي تعيشها الشركة، وأسهم في دخولها مرحلة الإعسار، وتضمن ملف القضية محاضر اجتماعات وقرارات رسمية تثبت التوافق الكامل بين الشركاء حول توزيع الخسائر بالتناسب مع الأسهم، وهو ما دعم موقف المدعين في القضية.
وقد حاول المدعى عليه الدفاع عن نفسه أمام المحكمة بالقول إن أسباب الخسارة تعود إلى قرارات إدارية اتخذها مدير الشركة، واصفاً تلك السياسة الإدارية بأنها تسببت في تعثر الشركة وليس نتيجة إخلاله بالتزاماته، إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفاع، واعتبرته محاولة لإلقاء اللوم على طرف إداري دون أن يُسقط ذلك المسؤولية القانونية عن الشريك في تحمّل نتائج الخسائر بصفته مالكاً لنسبة معتبرة من رأس المال.
وأشارت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أن الشريك لا يُعفى من تحمل الخسائر لمجرد عدم رضاه عن قرارات الإدارة، طالما أن تلك القرارات لم تكن محل اعتراض قانوني موثق منه في حينها، وأن توقيعه على اتفاق تحمّل الخسائر يُعد التزاماً نافذاً لا يمكن الرجوع عنه، وعليه قضت الدائرة المختصة بإلزامه بدفع المبلغ كاملاً، بالإضافة إلى أتعاب المحاماة، مع تحميله التكاليف الناتجة عن تأخره في السداد.
واستندت المحكمة في تسبيب حكمها إلى مواد نظام الشركات السعودي، خاصة المادتين 178 و181، اللتين تنصان على مسؤولية الشركاء عن الخسائر وفقاً لنسبة مشاركتهم في رأس المال، ما لم يُتفق على خلاف ذلك كتابة، واعتبرت المحكمة أن ما أُبرم بين الشركاء يمثل اتفاقاً ملزماً يجب تنفيذه، كما شددت على أن الإخلال بهذه الالتزامات لا يُعفى الشريك من المسؤولية المالية المترتبة على الاتفاق.
ويُعد هذا الحكم مثالاً واضحاً على التوجه القضائي في المملكة لتفعيل النصوص النظامية الخاصة بالشركات، وتحقيق العدالة بين الشركاء، مع ضمان استقرار التعاملات التجارية، كما يعكس التزام القضاء السعودي بتطبيق مواد نظام الشركات بما يحفظ الحقوق ويمنع التهرب من المسؤوليات، خاصة في ظل ما تشهده البلاد من توسع في القطاع التجاري والاستثماري.
من المتوقع أن يفتح هذا الحكم الباب أمام شركات أخرى قد تواجه نزاعات مشابهة مع شركائها، مما يبرز أهمية توثيق الاتفاقات بين الشركاء وإدارة الخلافات المالية بشكل قانوني ومنظم، تجنباً للوصول إلى مراحل قد تهدد استمرارية الشركات أو تفاقم خسائرها، ويؤكد الحكم الصادر أن القضاء التجاري في المملكة يسير بخطى ثابتة نحو تعزيز الثقة في البيئة الاستثمارية، من خلال إنفاذ العقود ومحاسبة الأطراف المخلّة بالتزاماتها.