في مشهد يفيض بالمحبة والكرم، أعاد أهالي مكة المكرمة إحياء عادة "الوفادة" العريقة، التي تعد من أبرز صور استقبال ضيوف الرحمن عبر التاريخ، حيث بدأ السكان المحليون تنظيم مبادرات تطوعية لاستضافة الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم لأداء مناسك الحج، مقدمين لهم ألوانًا من الضيافة التي تجسد عمق القيم الإسلامية والروح المكية الأصيلة.
ففي أجواء يسودها الإيمان والفرح، بادر الأهالي بتجهيز وجبات الكبسة السعودية الشهيرة، وتقديم القهوة العربية الأصيلة، وتوزيع الهدايا الرمزية على الحجاج، في مشهد يؤكد أن الكرم ما زال حيًّا في قلوب أبناء مكة، الذين يرون في هذه الممارسة تقربًا إلى الله وفرصة لتجديد عهد المدينة المقدسة برعاية قاصديها، تمامًا كما اعتاد أسلافهم في مواسم الحج منذ قرون.
وقد أكد المشاركون في هذه المبادرات أن الوفادة ليست مجرد ضيافة تقليدية، بل هي فعل روحاني ينبع من الإيمان بقيمة خدمة الحاج، معتبرين أن تقديم الطعام، وتوفير الراحة، وإظهار المحبة لحجاج بيت الله الحرام، هو شرف يتنافس عليه المكيون جيلاً بعد جيل، خاصة في ظل استعداد المملكة لاستقبال الملايين في موسم الحج المرتقب.
المبادرات الفردية والعائلية تحولت إلى نمط اجتماعي يثير الإعجاب، حيث تتنوع صور الاستقبال ما بين تقديم وجبات متكاملة في الطرقات والمنازل، وتنظيم لقاءات ترحيبية، وتوفير أماكن للراحة والظل، بما يضمن للحجاج أجواء من الطمأنينة والراحة النفسية، ويعكس الوجه الحقيقي لمكة كعاصمة للضيافة الإسلامية في موسم الحج.
ويأتي إحياء عادة "الوفادة" في وقت تبذل فيه المملكة جهودًا ضخمة لتنظيم موسم حج استثنائي، يتكامل فيه الأداء الرسمي مع المبادرات الشعبية، في صورة متجانسة تعكس وحدة الهدف وسماحة الرسالة، وتعيد التأكيد على أن استقبال ضيوف الرحمن ليس فقط مهمة رسمية، بل هو جزء من نسيج المجتمع المكي الذي يفتخر بخدمتهم ويحتسب الأجر في كل تفاصيل العطاء.