صندوق الاستثمارات

بفضل تسهيلات هندية: الصندوق السعودي يوسع نفوذه في آسيا

كتب بواسطة: رولا نادر |

في خطوة جديدة تعكس متانة العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الرياض ونيودلهي، كشفت مصادر مطلعة عن موافقة الحكومة الهندية على منح صندوق الاستثمارات العامة السعودي إعفاءً خاصاً من بعض قواعد الاستثمار الأجنبي في المحافظ، وهو ما يمثل تحولاً مهماً في السياسات الهندية تجاه الكيانات السيادية الكبرى، ويُنتظر أن يسهم هذا الإعفاء في فتح آفاق جديدة أمام الصندوق السعودي لزيادة حضوره في السوق المالية الهندية وتعزيز تدفقات رؤوس الأموال بين البلدين، في ظل تنامي التعاون الاقتصادي بين أكبر ديمقراطية في العالم وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.

كما إن القواعد التي تم إعفاء الصندوق منها تتعلق تحديداً بآليات جمع الاستثمارات من كيانات سيادية مختلفة ضمن المحافظ الاستثمارية، إلى جانب قاعدة تقيد نسبة تملك المستثمر الأجنبي في شركة واحدة بنسبة لا تتجاوز 10%، وهذه اللوائح، التي تهدف عادة إلى الحد من التركز المالي ومنع السيطرة الأجنبية غير المباشرة، شكلت قيداً على مرونة الصندوق السعودي وشركاته التابعة، ما جعل الإعفاء خطوة استراتيجية ذات أبعاد أعمق من مجرد تسهيلات تنظيمية.

أكد أحد المصدرين، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته نظراً لحساسية المعلومات، أن القيود المفروضة سابقاً كانت تعيق قدرة الصندوق على التصرف بشكل مستقل، حيث كان يُطلب منه تجميع استثماراته مع كيانات سيادية أخرى، وهو ما كان يقلص من حرية شركاته التابعة في بناء محافظ استثمارية مستقلة، واعتبر المصدر أن الإعفاء الممنوح يحرر الصندوق من هذا القيد، ويمنحه قدرة أكبر على الدخول في شراكات استراتيجية أو تنفيذ استثمارات مركزة دون الاصطدام بالحدود النظامية التي كانت تفرضها السلطات الهندية سابقاً.

وتُعد هذه الخطوة اعترافاً ضمنياً من الجانب الهندي بمكانة صندوق الاستثمارات العامة، ليس فقط كذراع مالية للحكومة السعودية، بل كفاعل دولي يمتلك استراتيجية استثمارية طويلة الأمد وقدرات تمويلية هائلة، فالصندوق الذي يدير أصولاً تتجاوز قيمتها 925 مليار دولار، بحسب موقعه الرسمي، أصبح أحد اللاعبين المؤثرين في إعادة تشكيل مشهد الاستثمارات العالمية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا والطاقة والتجزئة.

الهند، التي تسعى إلى تعزيز جاذبيتها الاستثمارية أمام الصناديق السيادية الكبرى، ترى في استقطاب الاستثمارات السعودية عاملاً مساعداً لتحقيق أهدافها الاقتصادية، خاصة في ظل الطموحات التي تقودها حكومة ناريندرا مودي لجعل البلاد مركزاً إقليمياً للابتكار الصناعي والتكنولوجي، ويأتي هذا الإعفاء كجزء من سياسة استباقية لتذليل العقبات أمام تدفقات رأس المال السيادي، في وقت تشتد فيه المنافسة بين الاقتصادات الناشئة لجذب الاستثمارات الأجنبية النوعية.

وقد سبق لصندوق الاستثمارات العامة أن سجل حضوره في السوق الهندية من خلال استثمارات استراتيجية بارزة، أبرزها مساهمته بنحو 1.5 مليار دولار في "جيو بلاتفورمز"، ذراع التكنولوجيا التابعة لمجموعة ريلاينس، و1.3 مليار دولار أخرى في "ريلاينس ريتيل"، ذراع التجزئة التابعة لنفس المجموعة، وتشير هذه الاستثمارات إلى التوجه الاستراتيجي للصندوق نحو قطاعات النمو العالية في الاقتصاد الهندي، مثل الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية وتكنولوجيا المستهلك.

من المتوقع أن يفتح الإعفاء المجال أمام المزيد من التحركات الاستثمارية في المستقبل القريب، حيث يمكن للصندوق وشركاته التابعة استكشاف فرص جديدة في قطاعات ناشئة مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية والذكاء الاصطناعي، وهي مجالات تتقاطع فيها رؤية السعودية 2030 مع الخطط التنموية للهند، وتأتي هذه التوجهات في ظل عالم يشهد تحولات اقتصادية كبرى، تدفع الصناديق السيادية إلى البحث عن أسواق مستقرة وواعدة لتوظيف رؤوس أموالها بعيداً عن تقلبات الأسواق الغربية.

كما يعكس هذا التيسير التنظيمي مستوى الثقة المتبادل بين الحكومتين السعودية والهندية، ويدل على رغبة متبادلة في توطيد الشراكة الاقتصادية إلى مستويات أعمق، ليس فقط على مستوى التجارة، بل عبر الاستثمار طويل الأجل في قطاعات استراتيجية، ويبدو أن الهند باتت ترى في الصندوق السعودي شريكاً استثمارياً موثوقاً يمكن الاعتماد عليه في دعم مسيرتها نحو النمو المستدام.

ومن المرجح أن يكون لهذا الإعفاء أثر مباشر في تحفيز كيانات سيادية أخرى للنظر في السوق الهندية كوجهة استثمارية، مما قد ينعكس إيجاباً على السوق المالية الهندية من حيث السيولة والنمو، فيما يعزز في المقابل حضور المملكة كلاعب مؤثر في صياغة التحولات الاقتصادية في القارة الآسيوية، ويؤكد على المكانة المتقدمة التي باتت تحتلها السعودية في المشهد المالي العالمي.