أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية في الرياض حكماً نهائياً بإلزام إحدى الجامعات السعودية برد مبلغ 10600 ريال إلى طالب جامعي كان قد التحق ببرنامج الدبلوم العام في التربية المدفوعة، وجاء الحكم بعد أن تقدم الطالب باستئناف على الحكم الابتدائي الذي كان قد رفض دعواه، مستنداً في اعتراضه إلى ما وصفه بفساد الاستدلال وتناقض منطوق الحكم مع أسبابه، بالإضافة إلى مخالفته للنظام القائم، وهو ما أقنع محكمة الاستئناف بإعادة النظر في القضية بصفتها جهة قضائية من الدرجة الثانية.
الوقائع بدأت حينما أقام الطالب دعوى أمام المحكمة الإدارية، مطالباً بإلزام الجامعة برد الرسوم الدراسية التي فرضتها عليه عند التحاقه ببرنامج الدبلوم العام، مدعياً أن فرض تلك الرسوم يمثل مخالفة صريحة للأمر السامي القاضي بتحمل الدولة تكاليف برامج التعليم الموازي، وقد دعم دعواه بوثائق رسمية، من بينها شهادة تخرجه، إضافة إلى أحكام قضائية مماثلة صدرت لصالح طلاب آخرين في قضايا مشابهة، ما يعزز – بحسب رأيه – مبدأ المساواة في المعاملة القانونية والقضائية.
من جهتها، ردّت الجامعة على لسان ممثلها القانوني بأن الأمر السامي الذي استند إليه الطالب لا يشمل برنامجه، موضحة أن ذلك الأمر خاص فقط ببرنامج الطب الموازي، وهو ما اعتُمد في الأصل استجابةً لطلب وزير التعليم العالي بشأن إعفاء طلاب هذا البرنامج من الرسوم، وأكدت الجامعة أن الطالب ينتمي إلى برنامج الدبلوم التربوي، وهو ليس من ضمن برامج التعليم الموازي المعتمدة، وأنه لا يوجد له نظير في البرامج الصباحية، ما يعني – وفقاً للجامعة – استبعاده من مظلة القرار السامي.
غير أن الطالب تمسك بموقفه، موضحاً في مذكرة قدمها للمحكمة أن حصر القرار في تخصص الطب الموازي لا ينسجم مع فحوى الأمر السامي الذي جاء بصيغة عامة دون تقييد أو تخصيص، واعتبر أن ما ساقته الجامعة من مبررات يمثل قراءة مجتزأة للنصوص، مشيراً إلى أن التعليم الموازي، وفق القواعد المنظمة الصادرة في العام 1426هـ، يشمل برامج الدبلوم والبكالوريوس والدراسات العليا، وأكد أنه سدد المبلغ المذكور نظير دراسته في الدبلوم، مستنداً إلى أن الأمر السامي، بمجرد صدوره، ألغى إلزام الطلاب في تلك البرامج بدفع أي رسوم دراسية.
وفي حيثيات حكمها النهائي، اعتبرت محكمة الاستئناف أن الطالب قد التحق فعلاً بالبرنامج وسدد الرسوم، وأن الأمر السامي لم يحدد أو يحصر الإعفاء في تخصص معين، بل جاء عاماً شاملاً لبرامج التعليم الموازي كافة، وأضافت المحكمة أن القرار الإداري الذي استندت إليه الجامعة لا يجوز أن يكون مفسّراً أو مقيّداً لنص سامٍ، مشيرة إلى أن المحكمة العليا سبق أن أرست مبدأ قانونياً مفاده أن عدم وجود نظير للبرنامج في التعليم النظامي لا يُخرج البرنامج من دائرة التعليم الموازي، كما أن استحصال الرسوم في هذه الحالة يُعد إجراءً غير مشروع.
بناءً عليه، رأت محكمة الاستئناف أن ما حصلت عليه الجامعة من رسوم لا يستند إلى أساس نظامي، خصوصاً أن الطالب أنهى دراسته قبل صدور القرار اللاحق المتضمن إيقاف برامج التعليم الموازي، ما يعني أن المبالغ المحصّلة منه في الفترة السابقة كانت بلا وجه حق، ولذلك قررت المحكمة إلغاء الحكم الابتدائي برفض الدعوى، وإصدار حكم جديد يقضي بإلزام الجامعة برد المبلغ كاملاً إلى الطالب.
ورغم تمسك الجامعة بموقفها طوال جلسات التقاضي، فإن قرار الاستئناف جاء في نهاية المطاف ليؤكد مبدأ قضائياً مهماً يتمثل في ضرورة احترام النصوص النظامية ذات الطبيعة العامة، وعدم تجاوزها بقرارات إدارية أدنى مرتبة، وأوضحت المحكمة أن مثل هذه القرارات لا يمكن أن تقف حائلاً أمام تطبيق أمر سامٍ، خاصة إذا لم يأتِ نصّه على سبيل التقييد أو التخصيص.
من جهتها، أكدت المحامية نسرين علي الغامدي، عضو لجنة تراحم، أن محاكم الاستئناف الإدارية تمثل جهة رقابية أعلى في منظومة ديوان المظالم، حيث تتولى مراجعة الأحكام القابلة للاستئناف للتحقق من سلامتها النظامية، وأضافت أن مهلة الاعتراض على الأحكام تبلغ 30 يوماً من تاريخ استلام نسخة الحكم، وإذا لم يتم تقديم الاعتراض خلالها، يصبح الحكم واجب النفاذ، وأشارت إلى أن القضاء الإداري يمثل صمام أمان للمواطنين في مواجهة تجاوزات الجهات الإدارية، ووسيلة لضمان العدالة ورد المظالم.
وفي ضوء هذا الحكم، تبرز أهمية المعرفة بالنظام والتمسك بالحقوق القانونية، خصوصاً عندما تكون هناك سوابق قضائية تدعم موقف المتضرر، كما يؤكد الحكم على ضرورة التزام الجهات الحكومية بمضامين الأوامر السامية وعدم تفسيرها بما يخالف ظاهرها، في سبيل تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين.