في إطار سعيها الحثيث نحو تعزيز مفاهيم الاستدامة وتقليل الهدر الغذائي، أطلقت الهيئة العامة للأمن الغذائي في المملكة العربية السعودية، عبر البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء، حملة توعوية جديدة تحت شعار "حج بلا هدر"، وذلك بالتزامن مع انطلاق موسم الحج للعام الهجري 1446، هذه المبادرة تأتي ضمن جهود مستمرة تقوم بها الهيئة لتسليط الضوء على أهمية الاستهلاك المسؤول، خاصة في المواسم الكبرى التي تشهد تدفقًا ضخمًا من الحشود مثل موسم الحج، بما يترتب عليه من تحديات بيئية واقتصادية.
موسم الحج، الذي يُعد من أكبر التجمعات البشرية السنوية على مستوى العالم، يشهد توافد ملايين الحجاج من مختلف الدول لأداء المناسك في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ومع هذا الزخم البشري الكبير، تبرز الحاجة الملحة إلى إدارة الموارد، وعلى رأسها الغذاء، بشكل فعّال ومسؤول، وفي هذا السياق، أكد محافظ الهيئة المهندس أحمد بن عبدالعزيز الفارس، أن إطلاق الحملة يمثل خطوة أساسية في ترسيخ ثقافة الحد من الفقد والهدر، بما يحقق التوازن بين الوفرة الغذائية والوعي المجتمعي، ويسهم في حماية البيئة وتقليل النفايات.
إقرأ ايضاً:دعم يونيو من حساب المواطن يقترب.. والمستفيدون يُنصحون بتحديث بياناتهم"جوجل" تحذر من حملة احتيال خطيرة تتم عبر تطبيق "سيلزفورس"
وتحمل حملة "حج بلا هدر" في طياتها رسالة توعوية سامية، تستند إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، الذي يحث على عدم الإسراف ويحذر من التبذير، فالإسلام، كما أشار الفارس، يدعو إلى احترام النعمة وصونها، ويُعلي من شأن التوازن في الإنفاق والاستهلاك، خاصة في مناسبات تعبّدية عظيمة مثل الحج، حيث يُفترض أن يتحلى المسلم بأعلى درجات الانضباط والتقوى في كل تصرفاته، بما في ذلك تعامله مع الطعام والشراب.
وتتضمن الحملة باقة من الأنشطة والفعاليات التوعوية التي سيتم تنفيذها على أرض الواقع في المشاعر المقدسة، بالإضافة إلى محتوى إعلامي رقمي ومطبوع موجّه إلى مختلف فئات الحجاج، وتسعى هذه المواد إلى إيصال الرسائل التوعوية بطرق مبتكرة وسهلة الاستيعاب، من خلال استخدام وسائل الإعلام التقليدية والحديثة على حد سواء، لضمان الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الحجاج ومرافقيهم، وكذلك العاملين في القطاعات الخدمية ذات الصلة.
كما تعتمد الهيئة في تنفيذ هذه الحملة على التعاون والتكامل مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة والقطاع غير الربحي، في إطار رؤية شاملة تتبنى العمل المشترك كأساس لتحقيق الأهداف المنشودة، فالمعالجة الفعالة للهدر الغذائي خلال الحج لا تقتصر على توجيه الحجاج فقط، بل تشمل كذلك مقدمي خدمات الإعاشة والتموين، والجمعيات الخيرية، والمشرفين على تنظيم المخيمات والوجبات، وكل من له دور في منظومة التغذية خلال هذا الموسم العظيم.
ويُعد هذا التحرك جزءًا من استراتيجية وطنية أوسع تتبناها المملكة للحد من الفقد والهدر الغذائي، وهي إحدى ركائز رؤية السعودية 2030 التي تضع الاستدامة البيئية والغذائية ضمن أولوياتها القصوى، وتُظهر الدراسات أن كميات كبيرة من الطعام تُهدر سنويًا في مواسم مثل الحج، وهو ما يُمثل تحديًا على صعيد الموارد الطبيعية والاقتصاد الوطني، ويؤثر على جهود حماية البيئة وتقليل البصمة الكربونية للفعاليات الكبرى.
ومن المتوقع أن تُحدث الحملة تأثيرًا إيجابيًا ملموسًا من خلال توجيه سلوك الحجاج نحو الوعي والترشيد، بحيث يصبح كل فرد مشاركًا فاعلًا في حفظ النعمة والحد من الإسراف، وهذا ينعكس بدوره في تخفيض كمية المخلفات الغذائية، وتحسين الاستفادة من الموارد المتاحة، وإيجاد بيئة حج أنظف وأكثر احترامًا للمقدسات، تنسجم مع قدسية المكان وعظمة المناسبة.
ويأمل القائمون على الحملة أن تُسهم هذه المبادرة في تغيير أنماط التفكير والسلوك تجاه الغذاء في مواسم الحج المستقبلية، وأن تتحول "حج بلا هدر" إلى شعار دائم يعكس وعيًا جماعيًا متزايدًا بقيمة النعمة وأهمية حفظها، وفي هذا الإطار، تواصل الهيئة جهودها ليس فقط خلال موسم الحج، بل عبر برامج وطنية مستمرة تعزز ثقافة الاستهلاك المسؤول في مختلف المناسبات والمواسم على مدار العام.