الهلال يُنهي رحلة جيسوس.

وداع مُرّ بعد صعود مدوٍّ: الهلال يُنهي رحلة جيسوس برسالة مؤثرة ويُسند الدفة للشلهوب

كتب بواسطة: حسن بكري |

في مشهد درامي جمع بين عواطف التقدير ومرارة الانفصال، أعلن نادي الهلال السعودي، أحد أعمدة الكرة الآسيوية والعربية، رسمياً فسخ عقد مدربه البرتغالي المخضرم جورجي جيسوس، بعد تراجع مفاجئ في نتائج الفريق على المستويين المحلي والقاري خلال الموسم الجاري، وقرار الإقالة جاء ليضع حداً لمرحلة امتدت على فترتين، كانت آخرهما مميزة في بدايتها، لكنها انتهت على وقع خيبات وتراجع منحنى الأداء، ما دفع إدارة النادي للتحرك سريعًا لإنقاذ ما تبقى من الموسم.

ولم تكن لحظة الوداع بين جيسوس ولاعبي الهلال عابرة، بل جاءت محمّلة بشحنة من العاطفة والاحترام المتبادل، والنادي نشر صور اللقاء الأخير بين المدرب البرتغالي ولاعبيه خلال الحصة التدريبية المسائية على حسابه الرسمي بمنصة "إكس"، مرفقة برسالة مقتضبة لكنها ذات وقع كبير: "شكرًا جيسوس"، اختصار يُخفي خلفه مسيرة حافلة، كانت مليئة بالإثارة والآمال والتحديات، ويفتح باباً جديداً للتأمل في مصير الفرق الكبيرة حين تواجه لحظات الشك والاضطراب.

كما لم يكن المدرب البرتغالي، صاحب السبعين عامًا، غريبًا على الهلال، إذ سبق له أن خاض تجربة قصيرة مع الزعيم في موسم 2018-2019، لكنها لم تكتمل آنذاك لأسباب إدارية وفنية، قبل أن يعود في بداية الموسم الماضي بعزيمة متجددة، قاد فيها الفريق إلى تحقيق لقب الدوري السعودي للمحترفين بطريقة استثنائية، حاصدًا أفضل معدل نقاط في تاريخ النادي بنسبة تجاوزت 90٪، حينها، بدا وكأن الرجل وجد الوصفة السحرية لقيادة الهلال إلى مستويات غير مسبوقة من التوازن والنجاح.

وفي الموسم الماضي، وتحديدًا تحت إشراف جيسوس، لعب الهلال 34 مباراة في الدوري، فاز في 31 منها، وتعادل 3 مرات، دون أن يتعرض لأي خسارة، وهو رقم قياسي لم يسبق للنادي تحقيقه، الجماهير كانت تعوّل على استمرار هذه الهيمنة الكاسحة، خاصة مع الصفقات الكبيرة التي أبرمتها الإدارة، والطموح المعلن لاستعادة السيطرة الآسيوية من بوابة دوري أبطال آسيا، فضلًا عن السعي لتأكيد الهيمنة المحلية على مختلف البطولات.

ولكن هذا الموسم جاء مغايرًا تمامًا للتوقعات، فبعد بداية قوية، بدأت علامات التراجع تظهر تدريجيًا، وسط انتقادات لطريقة اللعب وإدارة المباريات في الأوقات الحرجة، والهلال ودع كأس خادم الحرمين الشريفين من الدور ربع النهائي في مباراة دراماتيكية أثارت الكثير من الجدل، قبل أن يتلقى ضربة موجعة أخرى بالخروج من نصف نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة، وهي البطولة التي لطالما اعتُبرت حلمًا أزرقًا في كل موسم، وكل هذا حدث في الوقت الذي فقد فيه الفريق صدارته المحلية لصالح الاتحاد، الذي وسّع الفارق إلى ست نقاط قبل خمس جولات فقط على نهاية الدوري.

والإحصائيات الخاصة بجيسوس هذا الموسم لا تعكس بالضرورة انهيارًا حادًا، لكنها تؤكد على وجود خلل في اللحظات الحاسمة، فقد خاض المدرب البرتغالي 46 مباراة، فاز في 32 منها، وتعادل في 6، وخسر 8، وهي حصيلة لا تتماشى مع سقف طموحات الإدارة ولا الجماهير، خصوصًا مع التعاقدات المميزة التي ضمت نخبة من نجوم العالم إلى صفوف الهلال.

وقرار الإقالة لم يكن مفاجئًا في ظل تصاعد الضغوط، لكنه أتى في توقيت حساس يتطلب استجابة سريعة لاحتواء تداعيات الوضع الفني، ولهذا، لم تتأخر الإدارة في إعلان بديل جيسوس، إذ أسندت المهمة مؤقتًا إلى المدرب الوطني محمد الشلهوب، أحد أساطير النادي السابقين، الذي يمتلك رصيدًا كبيرًا من الخبرة والعلاقة الوثيقة مع اللاعبين والإدارة والجمهور، والشلهوب برغم حداثة عهده في التدريب، يُعوَّل عليه لخلق استقرار نسبي خلال الجولات الأخيرة، على أمل تقليص الفارق وربما قلب الطاولة إن سنحت الفرصة.

وجماهير الهلال، التي اعتادت على المنافسة حتى الرمق الأخير، منقسمة في موقفها من إقالة جيسوس، فبين من يرى القرار ضرورة لإنقاذ الموسم ومن يعتبر أن المدرب لم ينل الوقت الكافي لتجاوز مرحلة التراجع، يبقى القاسم المشترك هو الرغبة العارمة في عودة الفريق سريعًا إلى منصات التتويج، واستعادة الشخصية التي أرعبت خصومه محليًا وقاريًا.

ومن جانبه، لم يُصدر جيسوس حتى الآن بيانًا رسميًا بعد رحيله، لكنه بدا متأثرًا خلال وداعه للاعبين، ما يدل على أن العلاقة بينه وبين الفريق كانت أكثر من مجرد عمل، ولعلّ تجربته الثانية مع الهلال، رغم نهايتها المؤلمة، ستظل واحدة من المحطات البارزة في مسيرته التدريبية الحافلة، خصوصًا بالنظر إلى ما قدّمه في موسم استثنائي سيظل محفورًا في ذاكرة الأنصار.

وفي انتظار ما ستؤول إليه الأيام المقبلة، تتجه أنظار المتابعين إلى الشلهوب وما إذا كان قادرًا على بعث الروح في الفريق مجددًا، خصوصًا في مباريات قد تشكّل الفارق بين موسم للنسيان أو نهاية مشرفة على الأقل، والهلال برغم العثرات، يظل فريقًا لا يستسلم، ومهما تعثرت خطاه، سرعان ما يعود بقوة ليؤكد أنه لا يسقط إلا ليقف من جديد.