في خطوة تؤكد حرص المملكة العربية السعودية على حماية صحة المجتمع وتعزيز الرقابة على المنتجات الدوائية، أعلنت الهيئة العامة للغذاء والدواء عن إحالة مندوب تابع لإحدى المنشآت التجارية في مدينة الرياض إلى النيابة العامة، بعد ضبطه متلبسًا ببيع مستحضر صيدلاني مغشوش، في مخالفة صريحة لأحكام نظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية والعشبية المعمول به في المملكة.
وتأتي هذه الواقعة في إطار الجهود الرقابية الصارمة التي تبذلها الهيئة لحماية المجتمع من المخاطر الصحية المحتملة، إذ تُعد الأدوية والمستحضرات الصيدلانية من المنتجات ذات الحساسية العالية والتي تؤثر بشكل مباشر على سلامة المرضى، ما يجعل من الالتزام الصارم بالأنظمة واللوائح ضرورة لا تقبل التساهل.
وقد صنّف النظام المعمول به في المملكة هذا الفعل كجريمة صريحة، حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة الرابعة والثلاثين أن من يبيع أو يصرف أو يحوز مستحضرًا صيدلانيًا أو عشبيًا مغشوشًا أو فاسدًا أو منتهي الصلاحية أو غير مسجل بقصد الاتجار، يُعد مخالفًا ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات أو بغرامة مالية تصل إلى عشرة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين معًا، وهي عقوبات تعكس خطورة هذه التجاوزات وحرص النظام على ردع من تسوّل له نفسه العبث بصحة الناس.
الهيئة لم تكتف بالإجراء القانوني بل وجهت رسالة واضحة للمجتمع، تدعو فيها إلى التعاون من خلال الإبلاغ عن أي مخالفات أو ممارسات مشبوهة يتم رصدها في المنشآت الخاضعة لإشرافها، وأكدت أن دور المواطن والمقيم لا يقل أهمية عن دور الجهات الرقابية، فالإبلاغ عن أي منتج دوائي يُشتبه في جودته أو مصدره يسهم بشكل مباشر في تقوية المنظومة الصحية، ويحد من فرص انتشار المنتجات المغشوشة أو الفاسدة.
وتعكس هذه الحادثة جانبًا من التحديات التي تواجهها الجهات المختصة في مكافحة الغش الدوائي، وهو ملف معقد عالميًا يتطلب جهودًا متكاملة بين الجهات التشريعية والرقابية والمجتمع، خصوصًا مع تنامي الأسواق غير النظامية وزيادة الاعتماد على التجارة الإلكترونية التي قد تُستخدم كقنوات لتصريف منتجات غير مرخصة أو مجهولة المصدر.
ولعل خطورة المستحضرات المغشوشة لا تقتصر فقط على عدم فعاليتها، بل تمتد إلى احتمالية تسببها في مضاعفات صحية خطيرة قد تؤدي إلى تدهور حالة المرضى أو حتى وفاتهم في بعض الحالات، لا سيما لدى الفئات الأكثر عرضة مثل كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة.
ويأتي هذا التحرك من هيئة الغذاء والدواء في إطار استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى رفع مستوى سلامة وجودة المنتجات الدوائية والغذائية، ومواكبة المعايير العالمية في الرقابة والتفتيش، إضافة إلى تعزيز ثقة المستهلك فيما يُطرح في الأسواق المحلية من أدوية ومكملات غذائية ومستحضرات طبية.
وقد قامت الهيئة في السنوات الأخيرة بتوسيع عمليات الرقابة والتفتيش، سواء عبر زيارات ميدانية مفاجئة للمنشآت الصيدلانية أو من خلال تفعيل أنظمة التتبع الإلكتروني التي تتيح مراقبة حركة المنتجات من التصنيع إلى البيع، ما يجعل من الصعب التلاعب بسلاسل التوريد أو تمرير منتجات مغشوشة.
ويعكس تفاعل الهيئة السريع مع هذه المخالفة، من خلال الإحالة الفورية للنيابة العامة، التزامًا حقيقيًا بتطبيق النظام بكل حزم، دون تهاون، في حق كل من يثبت تورطه في الإضرار بالصحة العامة، كما يُعد هذا التحرك رسالة قوية إلى العاملين في قطاع الأدوية والمستحضرات الصيدلانية بأن الانضباط والامتثال للقوانين ليس خيارًا، بل ضرورة تحكمها مصلحة الوطن وسلامة أبنائه.
وتأمل الهيئة من جميع العاملين في هذا القطاع، سواء في الصيدليات أو المستودعات أو مراكز البيع، أن يكونوا على قدر عالٍ من المسؤولية، وأن يتحروا الدقة والنظام في كل مراحل العمل، من الاستيراد إلى التسويق، فالمستحضر الدوائي ليس سلعة تجارية فقط، بل أداة علاجية ترتبط بحياة الإنسان وكرامته.
وجددت الهيئة دعوتها لأفراد المجتمع، بأن يكونوا عينًا ساهرة إلى جانب الجهات المختصة، للإبلاغ عن أي منتج مشكوك في مصدره أو سلامته عبر منصات التواصل أو الرقم المخصص لذلك، مؤكدة أن كل بلاغ يُتابع بدقة ويُعامل بسرية تامة.