ذكاء اصطناعي

في أقل من 30 ثانية.. "المحتالون" يبنون مواقع مزيفة لخداعك.. فكيف تحمي نفسك؟

كتب بواسطة: محمد مكاوي |

في مشهد رقمي تتسارع فيه الخطى نحو التقدم، يكشف الستار عن جانب مظلم يتنامى بالوتيرة ذاتها: التصيد الاحتيالي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، فبحسب دراسة جديدة، لم يعد إنشاء موقع إلكتروني مزيف يتطلب مهارة برمجية أو وقتاً طويلاً، بل بات الأمر لا يتجاوز ثلاثين ثانية فقط، كافية لبناء فخ رقمي متقن الإخراج.

التقنيات التوليدية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أصبحت أداة فعالة بيد المحتالين، تُستخدم في محاكاة المواقع الشهيرة بدقة مذهلة، من صفحات تسجيل الدخول إلى واجهات الدفع، يستنسخ المحتالون كل ما يوحي بالثقة والأمان، ليخدعوا المستخدمين المطمئنين ويستدرجوا بياناتهم.
إقرأ ايضاً:الأرصاد السعودية تحذر .. سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة تضرب هذه المناطق"الدويش" يشعلها ...تغريدة عقب صفقة الهلال مع حمدالله "مش هتقدر تغمض عينيك"

التقرير الصادر عن شركة Okta، المختصة بإدارة الهوية الرقمية، كشف عن قفزة غير مسبوقة في عدد المواقع المزيفة المخصصة للتصيد، والأسوأ أن الشركة نفسها لم تسلم من التزوير، حيث تم استنساخ موقعها الرسمي عدة مرات، في انعكاس مباشر لمدى سهولة تكرار تصميم المواقع باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

يعتمد المحتالون على أسلوب بسيط لكنه فعال: يحاكون واجهات المنصات المألوفة بالنسبة للمستخدم، كحسابات Google، وشبكات التواصل الاجتماعي، وحتى الأنظمة البنكية، يكفي أن يدخل الضحية بياناته ظنًا منه أنه يتعامل مع الجهة الأصلية، لتصبح هذه المعلومات في متناول المهاجم مباشرة.

وفي نمط آخر من الاحتيال، تتخذ المواقع المزيفة هيئة منصات خدماتية يعتمد عليها الناس يومياً، من خدمات التوصيل كشركة "أراميكس"، إلى منصات الدفع الإلكتروني ورسوم المرور مثل "سالك" في دبي، يحاكي المحتالون كل ما هو معتاد لجعل الاحتيال يبدو طبيعياً.

ما يزيد خطورة هذه الظاهرة هو قدرة المحتالين على الترويج لمواقعهم الاحتيالية عبر إعلانات مدفوعة تظهر في نتائج البحث قبل المواقع الأصلية، ليس هذا فقط، بل تنتشر روابط التصيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يصعب معه التمييز بين الحقيقي والمزيف.

وفي خلفية هذا التهديد المتصاعد، تقف أداة Vo،dev التي تطورها شركة Vercel، هذه الأداة الذكية باتت القلب النابض في عمليات إنشاء المواقع الاحتيالية، فهي قادرة على توليد صفحات متكاملة تشبه الأصل حتى في أدق التفاصيل، وبسرعة تفوق ما يمكن تخيله.

أصبح بإمكان المحتالين تجهيز مواقع تسجيل دخول تبدو مطابقة لتلك الخاصة بكبرى الشركات، خلال ثوانٍ معدودة، وباستعمال أوامر بسيطة، والنتيجة: قدرة فائقة على الخداع تجعل الضحايا يقعون في الفخ بسهولة متناهية.

ويرى خبراء الأمن السيبراني أن السبب الرئيس في هذا التصاعد المفاجئ في هجمات التصيد يعود إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، سواء عبر روبوتات المحادثة أو أدوات تصميم الواجهات، فإن هذه التقنيات فتحت آفاقاً جديدة لم تكن متاحة من قبل للمهاجمين.

ما يجعل الوضع أكثر إرباكاً هو أن هذه الأدوات الذكية لم تُصمم بالضرورة لأهداف خبيثة، لكنها تحولت، بفضل سهولة استخدامها وغياب ضوابط صارمة، إلى منصة جاهزة لتسهيل الجريمة الإلكترونية وإتاحة إمكانيات تقنية هائلة لمجرمين رقميين محترفين أو مبتدئين.

ورغم الجهود المبذولة من قبل الشركات والمنصات الكبرى لتعقب ومنع هذه الأنشطة الاحتيالية، فإن السرعة التي يعمل بها المحتالون تفوق أحياناً قدرة الدفاعات الأمنية على المواكبة، فكلما تم إغلاق موقع مزيف، يظهر آخر في دقائق معدودة.

يحذر الخبراء من أن مستقبل التصيد الاحتيالي قد يكون أكثر تعقيداً، إذ أن استخدام الذكاء الاصطناعي سيسمح مستقبلاً بتخصيص رسائل الخداع بشكل دقيق يستهدف سلوك المستخدمين وبياناتهم الشخصية، مما يزيد من خطر الوقوع في المصيدة.

الحل لا يكمن فقط في تطوير أدوات الحماية، بل في رفع وعي المستخدمين، وتدريبهم على الشك والحذر، وعدم الوثوق السريع بأي رابط أو موقع حتى لو بدا مألوفاً، فزمن التصيد العشوائي انتهى، وحل محله تصيّد متقن ومدعوم بالتقنية.

وسط هذا المشهد المتشابك، لا يزال السؤال المطروح هو: إلى أي مدى يمكننا الوثوق بما نراه على الإنترنت؟ وهل ستتمكن أنظمة الأمن السيبراني من مواكبة الابتكارات التي يُعاد توظيفها في ميدان الجريمة الرقمية.