بأسلوبه الذي يجمع بين الطموح والرؤية المستقبلية، كشف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن تحول جوهري في بنية الحكومة الإماراتية، حيث أعلن عن انضمام الذكاء الاصطناعي كعضو استشاري فعلي في مجلس الوزراء وجميع المؤسسات الحكومية بدءًا من عام 2026، في خطوة ترسم ملامح مستقبل جديد لصناعة القرار في الدولة.
هذا الإعلان لم يكن مفاجئاً لمن يتابع تحولات الإمارات في مجال التكنولوجيا، فالدولة كانت من أوائل من احتضن الذكاء الاصطناعي رسميًا منذ سنوات، وأسست له وزارة متخصصة، ما عزز من موقعها كلاعب رئيسي في هذا المجال على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
إقرأ ايضاً:"ثورة" في كرة القدم.. كيف سيغير "الذكاء الاصطناعي" طريقة مشاهدتك للدوري الإنجليزي؟الأرصاد السعودية تحذر .. سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة تضرب هذه المناطق
المثير في هذا التوجه الجديد هو توظيف منظومة الذكاء الاصطناعي كجهة تحليل واستشارة، تقدم رؤى فورية ومقترحات مدروسة تدعم كفاءة السياسات الحكومية، وترتقي بمستوى التخطيط والتنفيذ على نطاق وزاري واتحادي في آنٍ معاً.
التغيير لم يقتصر على إدماج الذكاء الاصطناعي فقط، بل تضمن أيضًا إعادة هيكلة وزارية واسعة، شملت استحداث وزارة للتجارة الخارجية وتغيير مسمى وزارة الاقتصاد لتصبح وزارة الاقتصاد والسياحة، مما يعكس نظرة متكاملة للاقتصاد الوطني بوصفه مرناً ومتداخلاً مع قطاعات متعددة.
الشيخ محمد بن راشد أوضح في تغريدته أن هذا التحول يأتي في سياق استعداد الدولة "للعقود القادمة"، مؤكداً أن العالم يمر بمرحلة إعادة تشكيل كبرى، وأن الإمارات تضع نصب عينيها ضمان حياة كريمة ومستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
يبدو أن الإمارات لم تعد تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة تقنية فقط، بل كفاعل حقيقي في المنظومة الإدارية، له دور حيوي في التأثير على السياسات، وتحليل التداعيات المحتملة لأي قرار حكومي قبل اتخاذه.
التحرك الجريء هذا يأتي بعد شهور فقط من إعلان الدولة عن إطلاق أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي في العالم خارج الولايات المتحدة، بمساحة تصل إلى 26 كيلومتراً مربعاً، مما يضعها في صدارة سباق احتضان التكنولوجيا على المستوى العالمي.
هذا المشروع الضخم الذي يقوده تحالف بين شركة G42 الإماراتية وشركات تكنولوجيا عالمية كبرى مثل OpenAI وCisco وOracle وNvidia، يشكل البنية التحتية التي تستند إليها رؤية الإمارات الجديدة في عالم الذكاء الاصطناعي.
وكانت الدولة قد أبرمت في مايو الماضي عدة اتفاقيات استراتيجية مع هذه الشركات العملاقة، تهدف إلى تحويل الإمارات إلى مركز عالمي لتطوير وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.
القرار بإشراك الذكاء الاصطناعي في صناعة القرار الحكومي يعكس فلسفة القيادة الإماراتية التي لا تنتظر المستقبل، بل تبادر بصناعته، وتعيد تشكيل أدوار المؤسسات في ضوء ما تمليه أدوات العصر الجديد.
ومع هذا التطور، يمكن أن يشهد العمل الحكومي تحولاً عميقاً في آليات التفكير والتنفيذ، حيث تصبح الخوارزميات الذكية جزءاً من الحوكمة، وتتحول البيانات الضخمة إلى مواد خام لصناعة السياسات.
لا شك أن العالم سيتابع هذا النموذج الإماراتي عن كثب، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات حول ضرورة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في دعم قرارات الحكومات وتقليص هامش الخطأ البشري.
وبينما تتسابق الحكومات حول العالم لسن التشريعات المنظمة للذكاء الاصطناعي، تخطو الإمارات خطوة سباقة نحو دمجه الفعلي في صميم الدولة، لتتحول من مراقب للتقنيات إلى من يقودها ويوجهها لخدمة الإنسان.
فهل تكون هذه الخطوة بداية عهد جديد في علاقة الحكومات بالتقنيات الذكية؟ أم ستبقى الإمارات حالة استثنائية لا تُحتذى سوى من قلة قليلة تملك الشجاعة والرؤية لتغيير قواعد اللعبة.