في خطوة استراتيجية تعكس التزام قطر برؤيتها التنموية الشاملة، أصدر أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قانونًا جديدًا لتوطين الوظائف في القطاع الخاص، ضمن "رؤية قطر 2030" التي تضع الإنسان في صميم التنمية، وهذا التشريع، الذي يحمل رقم 12 لسنة 2024، يشكل حجر أساس جديد في مسيرة تعزيز مشاركة المواطنين القطريين وأبناء القطريات في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية.
القانون الذي أُعلن عن صدوره عبر وزارة العمل القطرية، سيبدأ سريانه بعد ستة أشهر من نشره في الجريدة الرسمية، ما يتيح فترة كافية لترتيب الإجراءات الفنية والتنظيمية، وتفعيل آليات التنفيذ في المؤسسات المعنية، ويأتي هذا القرار في ظل توجه وطني متصاعد نحو تعظيم الاستفادة من الكفاءات المحلية، وتعزيز قدرتها على التفاعل والتطور داخل بيئة العمل الخاصة.
ينص القانون على خطط تنفيذية شاملة تهدف إلى استيعاب المواطنين في وظائف نوعية داخل الشركات التجارية والمصانع والمؤسسات الرياضية، وهو ما يشير إلى شمولية النظرة الحكومية نحو القطاعات الواعدة التي تحتاج إلى ضخ دماء وطنية جديدة، ومن أبرز أركان القانون الجديد اعتماد عقود عمل ملزمة تضمن حقوق العاملين القطريين، إلى جانب حوافز مالية تشجيعية، تفتح آفاقاً رحبة أمام المواطنين الباحثين عن فرص مهنية حقيقية في القطاع الخاص.
ولعل أحد الجوانب البارزة في القانون هو الاهتمام بمرحلة ما بعد الدراسة، إذ تم تخصيص برامج مبتكرة لتسهيل الانتقال من مقاعد التعليم إلى بيئة العمل، في محاولة لتقليص الفجوة بين التأهيل الأكاديمي ومتطلبات السوق، كما يتضمن القانون خططاً للتصنيف المهني للشركات بناءً على نوعية الوظائف المتاحة، وهو إجراء من شأنه ضبط عمليات التوظيف وتوجيهها نحو الأولويات الوطنية.
ويأتي هذا التوجه في سياق سياسة قطر المتواصلة لتحسين جاذبية سوق العمل المحلي، وتعزيز قدرات القطاع الخاص على جذب الكوادر الوطنية وبذلك، لا يقتصر القانون على مجرد ملء شواغر وظيفية، بل يتعداه إلى بناء منظومة إنتاجية تتسم بالكفاءة، عبر تمكين المواطنين وتطوير مهاراتهم، لا سيما في المجالات المتخصصة مثل المالية وتقنية المعلومات.
وبالتوازي مع قانون التوطين، أعلنت حكومة قطر عن توقيع اتفاقية استراتيجية تمتد لخمس سنوات مع شركة "سكيل إيه. آي" الأميركية، وهي شركة متخصصة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز كفاءة الخدمات الحكومية عبر استخدام أدوات الذكاء المتقدم، مما يعكس رؤية شاملة لدمج التكنولوجيا مع التنمية البشرية.
وتتضمن الاتفاقية العمل على أكثر من 50 مشروعًا محتملاً لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تحدث نقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمات الحكومية، من خلال تبسيط الإجراءات ورفع كفاءة الأداء المؤسسي، ويعزز هذا التعاون بين قطر وشركات التقنية العالمية مكانة الدوحة كمركز إقليمي رائد في تبني حلول المستقبل.