في جلسة انعقدت مؤخرًا، ناقش مجلس الشورى السعودي مجموعة من التوصيات المرتبطة بتعزيز كفاءة السوق المالية المحلية، وخرج مطالبة صريحة لهيئة السوق المالية بإنشاء سوق مخصص للمستثمرين المؤهلين، ويهدف هذا المقترح إلى تعزيز تنوع الأدوات الاستثمارية واستيعاب الشرائح المتخصصة ذات الكفاءة في إدارة المخاطر والعوائد.
وجاءت هذه التوصية ضمن حزمة من المداخلات البرلمانية التي عكست رغبة المجلس في تحفيز عمق السوق المالية وفتح آفاق جديدة أمام فئات استثمارية أكثر احترافًا، لا سيما في ظل التطورات السريعة في هيكل السوق والتحولات التنظيمية الجارية في القطاع المالي بالمملكة.
إقرأ ايضاً:
حالة طقس متقلبة على 8 مناطق بالمملكة ... أمطار ورياح وعوالق ترابية تضرب بشدة!ضبط مواطن ينقل 5 مخالفين يمنيين في جازان وتحويله للنيابةتأسيس سوق خاص بالمستثمرين المؤهلين لا يعني الفصل الكامل عن السوق الرئيسي، بل يستهدف بناء بيئة أكثر مرونة وخصوصية، تتيح تداول أدوات مالية قد لا تناسب صغار المستثمرين، وتعتمد على خبرات وتقديرات محسوبة من المشاركين فيها.
ويرى مختصون أن هذه الخطوة تعكس توجهًا ناضجًا نحو التخصص في بنية السوق، وتمكّن الجهات التنظيمية من فرض ضوابط أكثر دقة تتناسب مع طبيعة كل شريحة، دون التأثير على شمولية السوق أو كفاءة السيولة فيه، في الأسواق المتقدمة تعتمد مبدأ "السوق للمحترفين" كمنصة موازية للبورصة الأساسية.
وتعتبر الهيئة مسؤولة عن تطوير السوق المالية ودفعها نحو مستويات أعلى من النضج والكفاءة، وهي في موقع يتيح لها تصميم هذا السوق وفق أفضل الممارسات العالمية، بما يضمن حماية المستثمرين وتحقيق العدالة والشفافية في التعاملات.
وقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الإصلاحات في السوق السعودية، شملت إدراجات نوعية، وزيادة عمق السوق، وتحديثات في أنظمة الحوكمة والإفصاح، وجاءت التوصية الجديدة لتعزيز مسيرة التنويع المؤسسي، بما يدعم أهداف رؤية 2030 في تعزيز الاستثمارات النوعية.
السوق المقترح قد يشمل أدوات مالية معقدة أو عالية المخاطر، مثل الصكوك الخاصة، الأسهم غير المدرجة، أو المنتجات المشتقة، مما يتطلب من الهيئة وضع معايير صارمة لتصنيف المستثمرين المؤهلين، وتحديد الضمانات التي تضمن الاستخدام الرشيد لهذه المنصة.
ويُتوقع أن تشمل معايير التأهيل عناصر مثل حجم الأصول المُدارة، الخبرة الاستثمارية، وتاريخ التداول، بحيث يتم استبعاد المشاركين غير القادرين على تقييم المخاطر، مع منح الشركات والمؤسسات الاستثمارية فرصًا أوسع لإدارة محافظهم بمرونة أكبر.
مراقبون اقتصاديون اعتبروا أن هذه الخطوة قد تساهم في تخفيف الضغط على السوق الرئيس، وتقليل التذبذب الناتج عن قرارات غير مدروسة من قبل مستثمرين أفراد، مؤكدين أن تخصيص منصة احترافية يُعزز من استقرار السوق ويقلص من أثر الشائعات والتقلبات العاطفية.
كما سيفتح هذا السوق أبوابًا جديدة للابتكار المالي، من خلال تطوير منتجات استثمارية لا تُطرح عادة في السوق العامة، مثل الصناديق المغلقة أو أدوات التمويل البديلة، ما يعني توسعًا في قاعدة خيارات المستثمرين وتمويل المشروعات الناشئة.
ويرى أعضاء في المجلس أن إنشاء هذا السوق لا يجب أن يتأخر، خصوصًا أن المملكة باتت وجهة محورية لرؤوس الأموال العالمية، وأن بناء هذه المنصة سيكون بمثابة رسالة ثقة تؤكد تطور البنية التحتية التنظيمية، واستعداد السوق لاستيعاب مستويات أعمق من التخصص.
المطالبة لم تكن مجرد اقتراح نظري، بل رافقها تأكيد على أهمية المتابعة والمساءلة الدورية لأداء الهيئة، ومدى التزامها بتفعيل أدوات تطوير السوق، ومواكبة المعايير العالمية التي تضع السوق السعودية في مصاف الأسواق الناشئة المتقدمة.
وتأتي هذه التوصية في وقت يشهد فيه السوق المالية السعودية إقبالًا ملحوظًا من المستثمرين المحليين والدوليين، وتناميًا في شهية الطرح العام، ما يعزز من أهمية توجيه السيولة وتوزيعها بطريقة ذكية تقلل من الفقاعات وتحسن جودة الاستثمارات.
ويتوقع أن تنظر هيئة السوق المالية في التوصية بجدية، خصوصًا أنها تتوافق مع استراتيجياتها المعلنة بشأن توسيع قاعدة المستثمرين، وتحسين البنية التحتية التقنية والتنظيمية، بما يواكب تطلعات المرحلة المقبلة من النمو المالي.