ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في عدد من المدن العربية خلال الـ24 ساعة الماضية، ما جعلها تتصدر قائمة المدن الأكثر سخونة في العالم، وفقًا لما أفادت به بيانات موقع "أوجيمت" العالمي المتخصص في رصد الأحوال الجوية، وتقدّمت مدينة الأحساء السعودية هذه القائمة بعد أن سجلت درجة حرارة بلغت 48.5 مئوية، وهو ما وضعها في المرتبة العاشرة عالميًا، في وقتٍ تشهد فيه المملكة موجة حر قاسية تمتد في معظم أرجاء المنطقة الشرقية.
المركز الوطني للأرصاد في السعودية لم يتأخر في إصدار تحذيراته، مؤكدًا أن موجة الحر الحالية تشكل خطرًا على صحة المواطنين والمقيمين، خاصة الفئات الأكثر عرضة مثل كبار السن والأطفال والعاملين في الأماكن المكشوفة، وأشار المركز إلى ضرورة تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس خلال ساعات الذروة، مع ضرورة اتخاذ كافة وسائل الحماية والتبريد المناسبة للحد من تأثيرات هذه الموجة المناخية الشديدة.
الحرارة اللاهبة لم تكن مقتصرة على المملكة فقط، إذ ضمت قائمة المدن الأكثر سخونة في العالم خلال 23 مايو الجاري سبع مدن عربية أخرى، من بينها مدينة كويتية واحدة وست مدن عراقية، ما يعكس امتداد هذه الظاهرة الجوية الحارقة في أرجاء واسعة من منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا دول الخليج العربي، وتشير هذه البيانات إلى تصاعد واضح في الظواهر المناخية القاسية، التي باتت تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية في المنطقة.
وفي العراق، تكررت الأرقام القياسية، حيث سجلت عدة مدن عراقية درجات حرارة تجاوزت 49 درجة مئوية، وهو ما يعزز من التحذيرات المتزايدة حول تفاقم آثار التغير المناخي في بلاد الرافدين، وقد سجلت بعض مدن جنوب العراق أعلى القراءات، ما يثير المخاوف من تكرار سيناريوهات انقطاع الكهرباء ونقص المياه التي عادةً ما ترافق موجات الحر الشديدة في البلاد.
ومن جهة أخرى، شكّلت هذه الموجة الحارّة تحديًا مضاعفًا لقطاعات الزراعة والنقل والطاقة، إذ تسببت الحرارة الشديدة في إجهاد شبكات الكهرباء وارتفاع معدلات استهلاك الطاقة، لا سيما في المدن الكبرى التي تعتمد بشكل رئيسي على أجهزة التكييف، كما واجه المزارعون صعوبات إضافية في الحفاظ على محاصيلهم، التي قد تتعرض للذبول أو الفقد بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتبخر كميات كبيرة من المياه.
ويرى خبراء المناخ أن ما تشهده المنطقة هذه الأيام ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة من التغيرات المناخية المتسارعة، التي تهدد بتكرار موجات الحر بدرجات أعلى وتواتر أكثر، خصوصًا في دول الخليج التي تُصنّف من بين المناطق الأشد حرارة عالميًا، ويؤكد هؤلاء أن الحاجة إلى استراتيجيات وطنية للتكيّف مع هذه الظواهر أصبحت ملحّة، تشمل تطوير البنية التحتية، وتحديث أنظمة التبريد، وتوسيع حملات التوعية العامة.
ومع تزايد حالات الإجهاد الحراري، بات لزامًا على الجهات المعنية في الدول المتأثرة اتخاذ خطوات عملية وسريعة لحماية السكان، مثل تنظيم ساعات العمل للعمال في الأماكن المكشوفة، وتوفير نقاط مياه وتبريد في الأماكن العامة، بالإضافة إلى دعم القطاع الصحي للاستعداد لأي حالات طارئة نتيجة الإنهاك الحراري أو ضربة الشمس، التي قد تزداد في مثل هذه الظروف.
تأتي هذه التطورات في سياق بيئي عالمي مقلق، حيث تُسجل سنويًا أرقام قياسية جديدة في درجات الحرارة، مما يدفع بالمنظمات الدولية إلى تجديد تحذيراتها بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري وآثارها المتزايدة، وتبقى الحاجة ماسة لتضافر الجهود الإقليمية والدولية للحد من مسببات تغير المناخ، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتحقيق التوازن البيئي الذي يضمن حياة أكثر استقرارًا للأجيال القادمة في هذه المنطقة الحساسة من العالم.