بدأت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يوم الثلاثاء الأول من يوليو 2025 صرف منفعة الأمومة للعاملات في القطاعين العام والخاص في المملكة، وذلك استنادًا إلى التعديلات الأخيرة التي أُقرت ضمن نظام التأمينات الاجتماعية المحدث، والذي يهدف إلى دعم المرأة العاملة وتعزيز استقرارها في بيئة العمل.
وتتيح هذه المنفعة للمستفيدات الحصول على تعويض مالي يعادل 100% من متوسط أجرهن الشهري الخاضع للاشتراك خلال الأشهر الاثني عشر السابقة للولادة، ويُصرف هذا التعويض لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من شهر الولادة، مع إمكانية التمديد لشهر رابع في حالة وجود حالة صحية خاصة للمولود، كأن يكون مريضًا أو من ذوي الإعاقة.
إقرأ ايضاً:اتحاد القدم يختتم دورة الرخصة التدريبية الآسيوية بمشاركة لاعبين سابقينشرطة تبوك تقبض على مواطن أطلق النار في الهواء داخل حي سكني
ويشمل القرار النساء العاملات اللواتي التحقن بنظام التأمينات الاجتماعية بعد تاريخ 3 يوليو 2024، بشرط ألا يكن قد سبق لهن الاشتراك في النظام، مما يعني أن المنفعة موجهة للموظفات الجدد في سوق العمل، سواء كن من المواطنات أو المقيمات على حد سواء، في خطوة تهدف إلى تعزيز العدالة وشمولية التغطية.
وجاء اعتماد هذا التعديل ضمن حزمة إصلاحات أقرها مجلس الوزراء في الثاني من يوليو 2024، وهي إصلاحات تستهدف تحسين بيئة العمل وتوفير الدعم الملائم للمرأة العاملة، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تولي أهمية كبيرة لتمكين المرأة وزيادة مشاركتها في التنمية الاقتصادية.
وأوضحت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن صرف المنفعة سيتم بطريقة آلية بالكامل، حيث لا يشترط تقديم أي طلب يدوي أو إلكتروني من قبل المستفيدة، إذ تتلقى المؤسسة بيانات الولادة مباشرة من وزارة الصحة، ويتم إشعار كل من المستفيدة وصاحب العمل ببدء صرف التعويض المالي دون الحاجة لأي إجراء إضافي.
ويُشترط لاستحقاق منفعة الأمومة توفر ثلاثة شروط رئيسية، أولها أن تكون المشتركة على رأس العمل وقت الولادة، وثانيًا أن تكون قد أمضت ما لا يقل عن 12 شهرًا من الاشتراك خلال آخر 36 شهرًا تسبق الولادة، وثالثًا أن لا تقل المدة بين بدء الاشتراك وتاريخ الولادة عن ستة أشهر، وهي شروط تهدف إلى ضمان الاستحقاق العادل.
وتمثل هذه الخطوة جزءًا من رؤية أوسع تتبناها الجهات المختصة لتطوير منظومة الحماية الاجتماعية في المملكة، وتوفير بيئة عمل أكثر توازنًا وإنصافًا، لا سيما للنساء اللاتي يحملن على عاتقهن مسؤوليات أسرية قد تتداخل مع متطلبات الوظيفة.
وأكدت المؤسسة أن هذه المنفعة تأتي في إطار جهودها لتمكين المرأة وتخفيف الأعباء عنها، دون أن تشكل عبئًا إضافيًا على أصحاب العمل، حيث يُصرف التعويض من موارد المؤسسة مباشرة، مما يضمن استمرار العلاقة التعاقدية بين الموظفة والجهة التي تعمل بها بشكل مستقر دون تأثير سلبي على الكيانات الاقتصادية.
وتنعكس هذه التعديلات إيجابًا على سوق العمل السعودي من خلال تعزيز جاذبيته للكفاءات النسائية، وتوفير عنصر الطمأنينة الذي تحتاجه المرأة العاملة خلال فترة الحمل والولادة، وهو ما قد يساهم أيضًا في تقليل معدلات التسرب من العمل بسبب الالتزامات الأسرية.
ويُعد القرار خطوة نوعية في ملف تمكين المرأة في المملكة، خاصة وأن الأرقام تشير إلى زيادة مطّردة في نسب مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل خلال السنوات الأخيرة، مما يستدعي تبني أنظمة مرنة وداعمة تُراعي خصوصية وضعها الوظيفي والاجتماعي.
وتحظى هذه المبادرة بترحيب واسع في الأوساط الحقوقية والمجتمعية، حيث رأت فيها الكثير من الجهات خطوة متقدمة نحو تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة للمرأة، وتأكيدًا على حرص الدولة على تبني سياسات داعمة للأسرة والطفولة.
ويتيح هذا القرار للمرأة العاملة التفرغ لرعاية مولودها خلال الأشهر الأولى بعد الولادة، وهي فترة تُعتبر من أكثر الفترات حساسية في حياة الأم والطفل، مما يعكس وعي واضعي السياسات بأهمية العناية بالصحة النفسية والجسدية للأم، وانعكاسها على المجتمع ككل.
وتسعى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى تعزيز وعي المستفيدات والمهتمين بتفاصيل هذه المنفعة عبر منصة التوعية التأمينية على موقع المؤسسة، إلى جانب قنوات الاتصال الرسمية التي تتيح للجميع الاستفسار وتلقي الدعم اللازم.
ويُتوقع أن تُسهم هذه الخطوة في تشجيع النساء على الالتحاق بسوق العمل، خاصة في المراحل العمرية المبكرة، دون التخوف من التحديات المتعلقة بالأمومة، حيث تقدم المنفعة نموذجًا متقدمًا للرعاية الاجتماعية المتكاملة دون الإخلال بمصالح أصحاب العمل.
كما تندرج هذه الخطوة ضمن حزمة أوسع من التعديلات والتحديثات التي شهدها نظام التأمينات الاجتماعية مؤخرًا، والتي شملت تحسينات على مستوى آليات التقاعد والتعويضات والحقوق الوظيفية، بما يعزز من ثقة الأفراد بالمؤسسات النظامية ويشجع على الانخراط في سوق العمل النظامي.
ومن المنتظر أن تُشكّل تجربة صرف منفعة الأمومة نموذجًا يُحتذى به في بقية القطاعات التي تتطلب إجراءات دعم مخصصة، حيث يؤكد سهولة الصرف الرقمي وسرعة الإجراء قدرة المملكة على تقديم حلول اجتماعية متقدمة تتوافق مع المعايير العالمية.
ويأتي كل ذلك في وقت تشهد فيه المملكة تحولات هيكلية كبيرة في سوق العمل، تتضمن تعزيز الأتمتة وتوسيع نطاق الحماية التأمينية ومواكبة المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية، وهو ما يدفع نحو تكييف السياسات الاقتصادية والاجتماعية مع تطلعات المواطنين والمقيمين.