الذكاء الاصطناعي

"لغة المستقبل في فصولنا".. السعودية تدرج الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم العام

كتب بواسطة: تميم بدر |

في خطوة تاريخية واستراتيجية تهدف إلى بناء أجيال المستقبل، اعتمدت المملكة العربية السعودية إدراج منهج متخصص في الذكاء الاصطناعي ضمن مواد التعليم العام، وذلك ابتداءً من العام الدراسي المقبل 2025 – 2026، في توجه يكرس بناء اقتصاد معرفي مستدام.

ويأتي هذا القرار النوعي ليمثل نقلة جذرية في فلسفة التعليم في المملكة، حيث لم يعد الهدف يقتصر على تدريس العلوم التقليدية، بل امتد ليشمل تزويد الطلاب بلغة العصر وأدوات المستقبل، وتعزيز تنافسية البلاد على الساحة العالمية في المجال الرقمي الذي بات يقود العالم.

إقرأ ايضاً:

بالشراكة مع وزارة السياحة.. جامعة جدة تطلق دبلوم السفر والسياحة "بعد إعلان النتائج الأولية".. شرط جديد ومفاجئ في قبول الكليات العسكرية

وقد تم تصميم المنهج الجديد ليكون متكاملاً ومتدرجًا، حيث يبدأ من المراحل الدراسية الأولى، ليزرع بذور الفهم الأساسي للذكاء الاصطناعي في عقول النشء، وينمو معهم في التعقيد والعمق حتى يصلوا إلى المرحلة الثانوية وهم متمكنون من مفاهيمه المتقدمة.

ففي المراحل الابتدائية، سيركز المنهج على تقديم المفاهيم الأساسية بأسلوب مبسط، من خلال التطبيقات التفاعلية والألعاب التعليمية، التي تهدف إلى إزالة الرهبة من هذه التقنية، وجعلها مادة محببة وقريبة إلى أذهان الطلاب الصغار، بما ينمي لديهم الفضول المعرفي.

ومع تقدم الطلاب في مراحلهم الدراسية، سيتوسع المنهج ليشمل جوانب أكثر عمقًا، مثل تصميم النماذج الأولية للذكاء الاصطناعي، والتعرف على أساسيات تعلم الآلة، بالإضافة إلى لغات البرمجة المرتبطة بهذا المجال الحيوي، مما يمنحهم أساسًا تقنيًا صلبًا.

ولن يغفل المنهج الجانب الإنساني والأخلاقي، حيث سيتناول بشكل أساسي "أخلاقيات الذكاء الاصطناعي"، وهو موضوع يكتسب أهمية متزايدة على مستوى العالم، لضمان استخدام هذه التقنيات القوية بما يخدم البشرية، وتجنب أي تطبيقات سلبية قد تنشأ عنها.

وفي تعليقه على هذه الخطوة الهامة، أكد الدكتور سعيد الأحمري، الأستاذ المشارك في الذكاء الاصطناعي بجامعة نجران، أن هذا القرار يمثل استثمارًا نوعيًا في العقول الشابة، وخطوة حاسمة نحو إعداد جيل من الطلاب القادرين على التعامل مع مفاهيم المستقبل منذ مراحل مبكرة.

إن هذا الاستثمار في الإنسان هو حجر الزاوية في رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى بناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تزويد الشباب بالمهارات والمعارف التي يتطلبها سوق العمل المستقبلي.

ويأتي اعتماد هذا المنهج ليعزز من جهود المملكة في إعداد جيل سعودي متمكن من أدوات الثورة الصناعية الرابعة، ومؤهل للمنافسة بقوة في سوق العمل العالمي، الذي يشهد تسارعًا هائلاً في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كافة القطاعات.

كما أن هذه الخطوة تنسجم مع المكانة الرقمية المتقدمة التي حققتها المملكة بالفعل في مجالات الثورة الرقمية، وإنشاء مراكز البيانات الضخمة، حيث بات من الضروري الآن تهيئة الكوادر الوطنية الشابة القادرة على تشغيل هذه البنى التحتية وتطويرها وقيادتها نحو الابتكار.

إن تعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس لم يعد ترفًا فكريًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية، فالدول التي ستنجح في تأهيل أجيالها في هذا المجال، هي التي ستقود العالم اقتصاديًا وتقنيًا في العقود المقبلة.

وستساهم هذه المناهج في خلق ثقافة عامة داعمة للابتكار، وتشجيع الطلاب على التفكير النقدي وحل المشكلات، وتوجيههم نحو التخصصات العلمية والتقنية في المرحلة الجامعية، بما يلبي احتياجات المشاريع الكبرى التي تشهدها المملكة.

في المحصلة النهائية، لم يعد قرار إدراج الذكاء الاصطناعي في التعليم مجرد إضافة مادة دراسية جديدة، بل هو إعلان عن بداية مرحلة جديدة، تؤسس لمستقبل تكون فيه المملكة العربية السعودية ليس فقط مستهلكًا للتقنية، بل منتجًا ومصدرًا لها.