شهدت مدينة بورتسودان فجر اليوم تصعيداً عسكرياً غير مسبوق، حيث شنت قوات الدعم السريع هجوماً جوياً استهدف مطار بورتسودان الدولي بطائرات مسيّرة للمرة الثالثة خلال 48 ساعة فقط، مما يمثل تحولاً دراماتيكياً في مسار الصراع السوداني المستمر منذ عامين، وأظهرت مشاهد حصرية بثتها قناتا "العربية" و"الحدث" تصاعد ألسنة اللهب وأعمدة الدخان الكثيف من محيط المطار إثر انفجار ضخم نجم عن استهداف إحدى المسيّرات لمستودع للوقود داخل حرم المطار، وقد أدى الهجوم إلى حالة من الذعر والارتباك بين المسافرين والموظفين، مما اضطر السلطات المحلية إلى إلغاء عدد من الرحلات الجوية التي كانت مجدولة للإقلاع عقب الهجوم مباشرة، والذي يأتي في إطار استراتيجية جديدة تتبعها قوات الدعم السريع تعتمد على استخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف منشآت حيوية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني.
لم يقتصر الهجوم على مطار بورتسودان فحسب، بل امتد ليشمل أهدافاً استراتيجية أخرى في المدينة التي تحولت إلى مركز إنساني ودبلوماسي ومقر للحكومة المتحالفة مع الجيش، حيث أفادت مراسلة "العربية" و"الحدث" بأن طائرة مسيّرة استهدفت فندق مارينا وسط بورتسودان الواقع بالقرب من القصر الرئاسي المؤقت، مما أسفر عن دمار واسع داخل المبنى دون وقوع خسائر بشرية، وفي تطور متزامن كشف مصدر في الجيش السوداني لوكالة "فرانس برس" عن استهداف القاعدة الرئيسية للجيش في وسط المدينة بطائرة مسيّرة أخرى، وهو ما يؤكد وجود خطة منسقة لاستهداف مراكز القوة والسيادة في المدينة التي ظلت بمنأى عن الهجمات البرية والجوية حتى هذا الأسبوع، مما يعكس تحولاً خطيراً في طبيعة الصراع وقدرات الأطراف المتحاربة.
تكتسب مدينة بورتسودان أهمية استراتيجية متزايدة كونها المقر الحالي للحكومة السودانية بعد سقوط العاصمة الخرطوم في أيدي قوات الدعم السريع، ويمثل مطارها الدولي شريان الحياة الوحيد المتبقي للسودان مع العالم الخارجي بعد خروج مطار الخرطوم الدولي عن الخدمة، حيث يعد من أكبر المطارات السودانية بمدرج يبلغ طوله 2460 متراً وعرضه 45 متراً، وقد ازدادت أهميته بشكل كبير منذ بداية الحرب في أبريل 2023 حين استقبل عشرات الطائرات لإجلاء رعايا الدول الأجنبية، ليتحول بذلك إلى مرفق حيوي للجيش والحكومة السودانية وممر رئيسي للمساعدات الإنسانية التي يحتاجها ملايين السودانيين، وبالتالي فإن استهدافه يمثل ضربة موجعة للحكومة السودانية وللعمليات الإنسانية في البلاد التي تعاني أزمة إنسانية طاحنة.
أثارت هذه التطورات الميدانية المتلاحقة قلقاً دولياً متزايداً، حيث عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه العميق إزاء التقارير الأخيرة التي تتحدث عن هجمات بطائرات مسيّرة على منشآت عسكرية ومدنية بالقرب من مطار بورتسودان، واعتبر غوتيريش عبر نائب ممثله الرسمي فرحان حق أن هذا الهجوم "تطور مقلق يهدد المدنيين والعمليات الإنسانية في المنطقة"، وتأتي هذه الهجمات في سياق تصعيد متبادل بين طرفي النزاع، حيث سبقها قيام الجيش السوداني بتدمير طائرة ومستودعات أسلحة في مطار نيالا الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، وهو ما يشير إلى دخول الصراع السوداني مرحلة جديدة من التصعيد قد تفاقم الأزمة الإنسانية المتفاقمة أصلاً والتي دفعت بنصف السكان إلى براثن الجوع الحاد.
بعد مرور عامين على اندلاع الحرب في السودان التي بدأت في أبريل 2023، يبدو أن استراتيجيات القتال قد تغيرت بشكل جذري، فبعد نجاح الجيش في طرد قوات الدعم السريع من معظم أنحاء وسط السودان، حولت هذه القوات أسلوبها من التوغلات البرية إلى شن هجمات بطائرات مسيرة تستهدف محطات الطاقة وغيرها من المرافق الحيوية في عمق الأراضي التي يسيطر عليها الجيش، وفي المقابل يواصل الجيش السوداني شن غارات جوية في إقليم دارفور، معقل قوات الدعم السريع، كما يخوض الجانبان معارك طاحنة للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وفي مناطق أخرى، وتشير هذه التطورات إلى تعقيدات متزايدة في المشهد الميداني السوداني مع تحول النزاع من حرب تقليدية إلى حرب هجينة تجمع بين التكتيكات التقليدية واستخدام التكنولوجيا المتطورة، وهو ما قد يطيل أمد الصراع ويزيد من معاناة الملايين من السودانيين الذين أضحوا ضحايا لصراع دموي أدى وفقاً للأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 12 مليون شخص وتسبب بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم المعاصر.