الاقتصاد الصيني

"الاقتصاد الصيني يعود للواجهة" إجراءات تحفيزية تشعل ديناميكية السوق

كتب بواسطة: سالي حسنين |

في محاولة قوية لإعادة الزخم إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أعلنت الصين عن سلسلة من الإجراءات النقدية والمالية الجريئة، تهدف إلى إنعاش النشاط الاقتصادي وتعزيز ثقة الأسواق في الداخل والخارج، في وقت تتزايد فيه الضغوط الخارجية والداخلية على الاقتصاد الصيني، هذه الخطوة التي أعلنها محافظ البنك المركزي الصيني تعكس إدراكاً واضحاً لحجم التحديات التي تواجه البلاد، خصوصاً في ظل تصاعد الحرب التجارية وتأثيرات ما بعد جائحة كوفيد-19، التي لا تزال تلقي بظلالها على الطلب المحلي وسوق العقارات.

القرار المركزي الذي تصدّر المشهد هو خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك التجارية بمقدار 0.5 نقطة مئوية، ما يعادل تحرير نحو تريليون يوان صيني، أي ما يقارب 138.9 مليار دولار أمريكي، من السيولة طويلة الأجل، وهذا الإجراء من شأنه أن يضخ دماءً جديدة في شرايين الاقتصاد الصيني من خلال تشجيع البنوك على تقديم المزيد من القروض، وتحفيز الأنشطة التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات، هذه هي المرة الأولى التي يُخفض فيها الاحتياطي الإلزامي خلال عام 2025، ما يعكس أهمية الخطوة في هذا التوقيت الحرج.

إلى جانب هذا الإجراء تم الإعلان أيضًا عن خفض سعر الفائدة على عمليات إعادة الشراء العكسية (الريبو العكسي) لمدة سبعة أيام، من 1.5% إلى 1.4%. هذه العمليات تُستخدم كأداة لضخ السيولة في النظام المالي، وخفض الفائدة هنا يعني أن البنك المركزي يسهّل بشكل أكبر وصول البنوك إلى التمويل قصير الأجل، ما يمنحها قدرة أكبر على تمويل الأفراد والشركات بشروط ميسّرة، الهدف هنا ليس فقط تقوية النظام المصرفي، بل توجيه السيولة نحو الابتكار التكنولوجي وتحفيز الاستهلاك، وهما من الركائز الأساسية لنمو الاقتصاد الصيني في مرحلته المقبلة.

استمراراً لجهود التنشيط أعلن البنك المركزي عن تخفيض في أسعار الفائدة على القروض العقارية للمشترين لأول مرة، في خطوة واضحة لمعالجة الأزمة الممتدة في قطاع العقارات، والتي باتت تشكّل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطنين، نسبة الفائدة على القروض طويلة الأجل لتملك المنازل تم تخفيضها من 2.85% إلى 2.6%، ما يجعل تملك المنازل أكثر جاذبية للطبقة المتوسطة، ويمنح دفعة كبيرة لسوق الإسكان الراكد.

تأتي هذه الإجراءات في وقت حساس، حيث تتزايد الضغوط الخارجية على الصين، لا سيما من الولايات المتحدة التي بدأت سياساتها الجمركية، التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تلقي بظلالها على الاقتصاد الصيني المتمحور حول التصدير، هذه الرسوم لا تقتصر آثارها على قطاع واحد، بل تمتد إلى سلاسل التوريد والاستثمار الأجنبي، ما يضع الصين أمام تحدٍ معقّد يتطلب توازنًا بين الإصلاح الداخلي والرد الاقتصادي المدروس على الضغوط الخارجية.

القرارات التي اتُخذت لا تعكس فقط استجابة آنية لحالة التباطؤ، بل تعبّر عن رؤية إستراتيجية لإعادة توجيه النمو الاقتصادي نحو مزيد من الاستهلاك المحلي والابتكار، وتقليل الاعتماد على الطلب الخارجي، في وقت تتغير فيه قواعد التجارة الدولية بشكل متسارع، من الواضح أن السلطات الصينية بدأت عام 2025 بإشارة قوية إلى أنها عازمة على عدم ترك اقتصادها ينزلق إلى حالة من الجمود، بل ستواصل الضخ والتحفيز والتعديل حتى تستعيد ديناميكية السوق وتعيد بناء ثقة المستثمرين.

مع تفعيل هذه الإجراءات ينتظر المراقبون بحذر كيف ستتفاعل الأسواق مع هذه الخطوات، وما إذا كانت ستشكل بداية تحول فعلي نحو تعافٍ مستدام، أم أنها ستكون مجرد جرعة تنشيط مؤقتة في مسار طويل من التحديات الهيكلية، في جميع الأحوال، الصين أعادت رسم المشهد، وأثبتت أنها ما زالت تملك أدوات اللعبة الاقتصادية وتعرف متى وكيف تستخدمها.