في خطوة وصفت بأنها مفصلية في مسيرة تطوير التعليم في المملكة، أعلنت وزارة التعليم السعودية عن قرارات عاجلة تتعلق بتوحيد الزي الرياضي لطالبات المرحلة الثانوية، ما يشكل تحولًا جذريًا في نظرة المؤسسات التعليمية للأنشطة الرياضية النسائية، ويعكس توجهًا وطنيًا واسعًا نحو ترسيخ مفاهيم الصحة، والاحتشام، والانضباط ضمن البيئة المدرسية.
والقرار، الذي يأتي في توقيت حيوي قبل انطلاق العام الدراسي الجديد، يتماشى مع الرؤية السعودية 2030، ويهدف إلى تعزيز المشاركة الرياضية للفتيات بطريقة تحفظ القيم المجتمعية وتحترم خصوصيتهن، دون المساس بحقهن في ممارسة النشاط البدني بحرية وأمان.
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الوزارة، فإن الزي الجديد لطالبات المرحلة الثانوية صُمم بعناية ليتماشى مع الضوابط الشرعية والتربوية، مع توفير حرية الحركة المطلوبة في الحصص الرياضي، ويتكون من قميص أبيض طويل بياقات رمادية يغطي الجسد كاملاً، مع خيار ارتداء قميص أبيض بسيط دون ياقة لتلبية تفضيلات متنوعة، إضافة إلى بنطال رياضي رمادي وسترة طويلة رمادية تضمن تغطية كاملة.
وتؤكد الوزارة أن هذه الخطوة جاءت بعد دراسات متأنية ومشاورات تربوية واسعة، لتوفير زي يعكس بيئة تعليمية آمنة وصحية للطالبات، ويشجعهن على المشاركة الفاعلة في الحصص الرياضية دون شعور بالحرج أو القلق من المظهر الخارجي.
واعتبر خبراء تربويون أن توحيد الزي لا يمثل فقط استجابة لمتطلبات لياقة الفتيات، بل يسهم بشكل مباشر في تعزيز الانضباط والمساواة بين الطالبات، وغرس الشعور بالانتماء للمؤسسة التعليمية، ويشير التربويون إلى أن المظهر المتوحد يخفف من الضغوط النفسية الناجمة عن الاختلافات المادية والاجتماعية، ويوفر بيئة أكثر انسجاماً داخل الصفوف الرياضية.
ويضيف المتخصصون أن هذه الخطوة تواكب التحولات الاجتماعية التي تشهدها المملكة، وتمنح الفتيات فرصة حقيقية للاندماج في الحياة المدرسية بشكل أوسع، بعيداً عن الصورة التقليدية لحصص الرياضة التي كانت تعاني من الإهمال أو القيود، وفي إطار الاستعداد لتطبيق القرار، وضعت وزارة التعليم خطة تنفيذية تشمل تنسيقاً مع إدارات التعليم في جميع المناطق، لتعميم المواصفات على المدارس، وتدريب الكوادر التعليمية على آليات التطبيق، وستبدأ الحملة التوعوية خلال الأسابيع المقبلة، متضمنة ورش عمل تعريفية للطالبات وأولياء الأمور، ونشر نماذج توضيحية للزي عبر المنصات الرسمية.
وتهدف الوزارة من خلال هذه الخطوات إلى تهيئة بيئة قبول اجتماعية، والحد من أي إشكاليات أو تفسيرات خاطئة قد ترافق تطبيق القرار، خصوصاً في المناطق التي لم تعتد على وجود حصص رياضة بناتية نشطة، وأثارت القرارات الجديدة تفاعلًا واسعًا داخل المجتمع التعليمي والأسري، حيث عبّر عدد من أولياء الأمور عن ارتياحهم لهذه الخطوة التي تمنح بناتهم فرصة التمتع بالأنشطة الرياضية دون التخلي عن الخصوصية الثقافية، وفي حديث مع أحد مديري المدارس الثانوية للبنات في الرياض، أشار إلى أن "هذا القرار يزيل كثيراً من الحواجز النفسية التي كانت تحول دون مشاركة بعض الطالبات في الحصص الرياضية، وخاصة أن الزي الجديد يبعث على الطمأنينة ويحترم أذواق الأسر المختلفة".
وفي المقابل، أكدت معلمات التربية البدنية أن القرار يعكس تحولاً نوعياً في نظرة الوزارة لدور الرياضة في بناء شخصية الطالبة، معتبرات أن التوحيد سيمنح الحصص مزيداً من التنظيم، ويزيد من التفاعل والاندماج داخل الفصول الرياضية، وتأتي هذه التغييرات في سياق سلسلة من الإصلاحات التي طالت قطاع التعليم والرياضة النسائية في السعودية خلال السنوات الماضية، فقد شهدت المملكة منذ عام 2017 إدخال حصص الرياضة للبنات في المدارس، وتوسيع مشاركة المرأة في المنافسات الرياضية، بل ووصول رياضيات سعوديات إلى أولمبياد طوكيو 2020.
وتنص رؤية المملكة 2030 بوضوح على تمكين المرأة في جميع المجالات، بما في ذلك الصحة والرياضة، وتعزيز مساهمتها في بناء مجتمع صحي ونشط، ومن هذا المنطلق، تسعى وزارة التعليم إلى تحويل المدرسة إلى مساحة شاملة تُعنى بتنمية الطالبة جسدياً وعقلياً واجتماعياً، ويرى محللون أن هذا القرار لا يقتصر على كونه إجراء تنظيميًا يخص نوع الملابس، بل يعكس تحولًا أعمق في فلسفة التعليم في المملكة، حيث أصبحت المدارس اليوم مطالبة ليس فقط بتقديم المعلومات، بل ببناء بيئة متكاملة تدعم الطالبة في مختلف أبعاد حياتها.
ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها تمهيدًا لمزيد من السياسات التي قد تشمل تطوير المناهج الرياضية، وتحسين البنية التحتية في المدارس، وتوفير مدربات مؤهلات، بما يعزز مكانة الرياضة كعنصر أساسي في بناء شخصية الطالبة.