لأول مرة في تاريخ الدوري السعودي للمحترفين، يسجل موسم 2024 - 2025 من دوري روشن السعودي إنجازًا فريدًا وغير مسبوق، يتمثل في تولي خمسة مدربين سعوديين القيادة الفنية لعدد من الفرق المتنافسة في وقت واحد، وهو رقم لم يُسجل من قبل في سجل المسابقة التي شهدت على مر السنين سيطرة للمدرب الأجنبي على الدكة الفنية.
هذا التحوّل اللافت لم يأتِ من فراغ، بل جاء انعكاسًا مباشرًا لنجاحات نوعية حققها المدرب الوطني السعودي خلال المواسم الأخيرة، والتي بدأت تُثمر عن ثقة متزايدة من إدارات الأندية السعودية، حتى لدى تلك التي تملك طموحات عالية وتتنافس على مراكز متقدمة أو تسعى لتفادي الهبوط، ما يدل على تنوع المهام التي يُعهد بها للمدرب الوطني.
ما كان لهذا الحضور أن يتحقق لولا أن المدربين السعوديين أظهروا كفاءة حقيقية، وقدرة على التعامل مع الأوضاع الفنية والنفسية المعقدة داخل الأندية، ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما قام به المدرب سعد الشهري الذي تولى مؤخرًا قيادة نادي الاتفاق، بعد فترة غير مستقرة فنيًا تحت قيادة المدرب الإنجليزي المعروف ستيفن جيرارد.
نجح الشهري في زمن قياسي في معالجة المشكلات الفنية التي عانى منها الفريق، عبر سياسة تدريبية أكثر مرونة وقدرة على استيعاب قدرات اللاعبين المحليين، وهو ما جعل تجربته نموذجًا يُحتذى، ومصدر إلهام لإدارات أخرى تنظر للمدرب الوطني بعين الاعتبار.
نادي التعاون كان من أوائل الأندية التي قررت منح الثقة لمدرب سعودي هذا الموسم، عندما أقالت المدرب الأرجنتيني رودولفو أروابارينا، وأسندت المهمة للمدرب الوطني محمد العبدلي، العبدلي معروف بقراءته الفنية الحذقة وسرعة التكيف مع ظروف الفريق، وهو ما ساعده على قيادة التعاون نحو أداء متماسك.
تبعه فريق ضمك الذي تخلى عن المدرب البرتغالي نونو ألميدا، واختار المدرب الوطني خالد العطوي الذي سبق له قيادة منتخبات الفئات السنية، وحقق نتائج متميزة، العطوي يمثل الجيل الشاب الطموح من المدربين المحليين، ويُعرف عنه التركيز على الجانب الذهني واللياقي بشكل متوازن.
أما نادي الرياض، فقد قرر إنهاء ارتباطه مع المدرب الفرنسي صبري اللموشي، ومنح الثقة للمدرب السعودي بندر الكبيشان، الذي يحمل خلفية فنية محترمة وقدرة على التعامل مع الضغوط في المواقف الصعبة، خصوصًا في فرق القاع أو الفرق التي تسعى للبقاء. الحدث الأبرز كان من نصيب نادي الهلال، الذي شكّل مفاجأة كبرى حين قرر إقالة المدرب البرتغالي خورخي خيسوس، على الرغم من أن الفريق لا يزال في صراع شرس على القمة، هذا القرار فتح المجال أمام أحد أبرز أساطير النادي وأكثر اللاعبين السعوديين تتويجًا بالبطولات، وهو محمد الشلهوب، لتولي القيادة الفنية.
محمد الشلهوب لم يكن مجرد لاعب مميز، بل كان قائدًا بالفطرة، يتمتع برؤية فنية عالية وأسلوب هادئ وذكي، التحدي الذي ينتظره لا يُستهان به، حيث تولّى قيادة الهلال، حامل اللقب في الموسم الماضي، وقبل أربع جولات فقط من نهاية المسابقة الحالية، مع منافسة شرسة مع الاتحاد والنصر على صدارة دوري روشن.
إدارة الهلال كانت جريئة بقرارها، لكنها في الوقت نفسه تعكس حجم الثقة في الكفاءات الوطنية، خصوصًا حين يكون المدرب شخصًا بحجم الشلهوب، الذي يعرف أدق تفاصيل الفريق ومحيطه الفني والإداري.
ما يميز هذا الموسم تحديدًا هو أن الأندية لم تلجأ للمدرب السعودي كخيار طارئ أو إسعافي، بل كـ"خيار استراتيجي"، يمكنه تحقيق أهداف حقيقية، سواء عبر إنقاذ الفريق من الهبوط، أو تحسين الأداء، أو حتى المنافسة على مراكز متقدمة.
وهذا التحول يعكس نتائج سنوات من الاستثمار في الكفاءات المحلية، من خلال برامج رخص التدريب الآسيوية، ودورات التطوير المستمرة، ومشاركات المدربين السعوديين في ورش عمل كبرى بالتعاون مع الاتحادين الآسيوي والدولي.