يستعد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لعقد مناقشات رسمية خلال النصف الثاني من شهر مايو الجاري، تهدف إلى إعادة تقييم العلاقة المؤسسية القائمة بين التكتل الأوروبي وإسرائيل، وتحديدًا فيما يتعلق بـ"اتفاقية الشراكة" التي تنظم الروابط الاقتصادية والسياسية بين الطرفين، وذلك في ظل تصاعد الانتقادات الأوروبية والدولية لسلوك إسرائيل في حرب غزة.
الخطوة تأتي في وقت تتزايد فيه الدعوات داخل الاتحاد الأوروبي لمراجعة التزام إسرائيل بمبادئ الاتفاقية التي تؤطر التعاون المشترك، خاصة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وهو ما يُعد حجر الأساس في السياسة الخارجية الأوروبية.
اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 2000، تُعد من أقوى الأطر القانونية التي تنظم العلاقة بين إسرائيل والتكتل الأوروبي، وتمنح الطرفين تسهيلات تجارية، وتعاونًا في مجالات التكنولوجيا، والبحث العلمي، والاقتصاد، وغيرها.
غير أن بنود الاتفاقية تنص بوضوح على أن هذا التعاون يجب أن يكون "قائمًا على احترام حقوق الإنسان"، وهو ما يثير جدلاً متزايدًا اليوم، في ظل الانتهاكات المستمرة التي تُتهم بها إسرائيل في غزة، حيث تواجه الحكومة الإسرائيلية اتهامات دولية بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، لا سيما في ما يتعلق بحصار غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أعربت في تصريح صريح عن وجود "إحباط هائل" داخل صفوف الدول الأعضاء، بسبب عجز التكتل عن وقف الحرب التي اندلعت في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وأكدت كالاس أن الاتفاقية ستُعرض للنقاش في اجتماع رسمي مقرر في 20 مايو الجاري.
في الوقت نفسه، أعلنت الحكومة الهولندية أنها ستعارض أي مسعى لتجديد أو تفعيل الاتفاقية، إلى حين قيام الاتحاد الأوروبي بمراجعة مدى امتثال إسرائيل لشروط الاتفاق، معتبرة أن الواقع الحالي يتطلب تدقيقًا أكبر في سلوك الطرف الإسرائيلي.
ومن جانبها، أيدت وزيرة الخارجية السلوفينية، تانيا فاجون، هذه الدعوات بشدة، مشيرة إلى أن "العالم فشل بشكل واضح في اختبار الإنسانية"، على حد تعبيرها، وأضافت: "نحن بحاجة إلى التصرف بمسؤولية أكبر، لأن هناك خرقًا واضحًا للقانون الدولي يجب التصدي له".
تُعد كل من إسبانيا، أيرلندا، وسلوفينيا من أبرز الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي أظهرت موقفًا واضحًا من دعم الفلسطينيين، ودعت مرارًا لمحاسبة إسرائيل على ما اعتبروه انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية، خاصة في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة.
وفي العام الماضي، حاولت هذه الدول ممارسة ضغط جماعي على بقية الأعضاء في الاتحاد من أجل فتح نقاش جدي بشأن مدى التزام إسرائيل بالقوانين الدولية وبنود الشراكة، لكن السياق السياسي كان حينها أقل توترًا مما هو عليه اليوم.
التحرك الأوروبي الأخير لا يأتي بمعزل عن الواقع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، فمع استمرار الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع، باتت المساعدات الإنسانية غير قادرة على الوصول إلى المحتاجين، ما أدى إلى توقف العديد من الخدمات الحيوية.
وقد أعلنت إحدى المنظمات الإغاثية الرائدة عن إغلاق مطابخها الخيرية في غزة خلال الساعات الماضية، بعدما نفدت الإمدادات الغذائية تمامًا من مخازنها، دون وجود أي مؤشرات على إمكانية وصول الدعم في القريب العاجل.
هذا التطور زاد من الضغط الأخلاقي والسياسي على الحكومات الأوروبية، حيث أصبح واضحًا أن الوضع لم يعد يحتمل المماطلة، وأن استمرار العلاقة مع إسرائيل بنفس الإطار التقليدي دون مساءلة قانونية لم يعد مقبولًا بالنسبة لعدد متزايد من العواصم الأوروبية.
في حال قرر الاتحاد الأوروبي تعليق أو تعديل اتفاق الشراكة مع إسرائيل، فإن ذلك سيمثل نقطة تحول سياسية غير مسبوقة في علاقات الطرفين، فعلى الرغم من أن الاتحاد يعد من أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل، إلا أن الإجراءات العقابية أو المراجعات السياسية تظل محدودة بسبب الانقسامات الداخلية في المواقف بين الدول الأعضاء.
ومع ذلك، فإن مجرد طرح المسألة رسميًا على جدول أعمال وزراء الخارجية الأوروبيين يُعد مؤشراً على تغير في المزاج السياسي الأوروبي، واستجابة لضغط الشارع ومنظمات حقوق الإنسان، خاصة بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على اندلاع الحرب في غزة، وسقوط آلاف الضحايا، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال.