اللجنة الإسلامية للهلال الدولي.

في ذكرى وثيقة نادرة: بيان غاضب يربك الصمت الدولي ويضع الاحتلال تحت المجهر

كتب بواسطة: ليلى حمادة |

في الذكرى السنوية ليوم القانون الدولي الإنساني، أصدرت اللجنة الإسلامية للهلال الدولي التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه بشدة الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، خصوصًا في قطاع غزة والضفة الغربية، وفيما دعت اللجنة إلى تفعيل الآليات الدولية لمحاسبة الجناة وتوفير الحماية للضحايا، أعادت إحياء وصية تاريخية صدرت قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، كانت قد أرست أولى القواعد الأخلاقية والإنسانية للحرب، مؤكدة أنها لا تزال حية وراهنة في وجه الجرائم المعاصرة.

وقد وجّهت اللجنة، في بيان حصلت عليه جهات إعلامية، دعوة إلى جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر واللجان الوطنية للقانون الدولي الإنساني في الدول الإسلامية، لحشد الجهود من أجل إحياء يوم القانون الدولي الإنساني الموافق 9 مايو، بتنظيم فعاليات توعوية تسلط الضوء على ضرورة احترام هذا القانون، والعمل على قمع الانتهاكات التي تتزايد في مناطق النزاعات، وفي مقدمتها فلسطين.

والبيان الذي حمل نبرة استثنائية من التحذير والاحتجاج، استند إلى "مبدأ الكرامة الإنسانية"، أحد المبادئ التي نصّت عليها اتفاقية اللجنة الإسلامية للهلال الدولي لعام 1982، والتي تضع الكرامة الروحية والأخلاقية في صميم أي تعامل إنساني، وأكدت اللجنة أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية يشكّل إهانة صارخة لهذا المبدأ، ويهدد بإلغاء أي معنى لاحترام الإنسان وقت الحرب.

وفي خطوة لافتة، شددت اللجنة على أن هذا اليوم الإنساني الهام لا يُستمد فقط من اتفاقيات دولية حديثة، بل له جذور أعمق، ضاربة في صلب التاريخ الإسلامي، مشيرة إلى وصية الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه للقائد أسامة بن زيد سنة 634م، والتي نصّت على احترام المدنيين وعدم تدمير الممتلكات أو قتل الأبرياء خلال النزاعات، ووصفتها بأنها "أول وثيقة إنسانية موجّهة للمقاتلين في وقت الحرب"، وبهذا المعنى، اعتبرت اللجنة أن إحياء يوم 9 مايو ليس مجرّد احتفاء رمزي، بل هو تذكير مستمر بمسؤوليات تاريخية ودينية وأخلاقية تجاه الإنسان، خصوصًا في لحظات ضعفه.

وتعود فكرة اعتماد هذا اليوم إلى الدورة الثلاثين للجنة الإسلامية للهلال الدولي، والتي قدّمت توصية بتحويل 9 مايو إلى يوم وطني للقانون الدولي الإنساني في دول منظمة التعاون الإسلامي، ولاقت التوصية موافقة الدورة الثانية والأربعين لمجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية في الكويت عام 2015، التي أقرّت رسميًا هذا اليوم في قرار خاص تحت الفقرتين 20 و21.

ولكن هذا العام، وعلى نحوٍ مثير، تزامن إحياء الذكرى مع مشاهد تصعيد دموي في غزة والضفة، حيث رصدت اللجنة ما وصفته بـ"الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة"، والتي تشمل الاستخدام المفرط للقوة، الاستهداف المتعمد للمدنيين، وتدمير البنية التحتية، من مستشفيات ومدارس ومراكز إنسانية، وصولاً إلى حصار خانق يمنع الغذاء والدواء والوقود، ما يصنف بحسب القانون الدولي كـ"جريمة تجويع جماعي".

ولم يقتصر البيان على توصيف الوضع فحسب، بل تجاوز ذلك إلى تحميل المجتمع الدولي، ومنظماته، مسؤولية ما يجري، ودعت اللجنة مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيقات عاجلة وشفافة، وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، وأكدت اللجنة أن الصمت الدولي لا يبرّر، بل يشكّل تواطؤًا غير مباشر يُقوّض مبادئ القانون الدولي، ويبعث برسالة خاطئة إلى الجناة.

كما أشارت اللجنة إلى تصاعد وتيرة الاعتداءات في الضفة الغربية، من إعدامات ميدانية واعتقالات عشوائية، إلى اقتحام المدن وتوسيع المستوطنات غير القانونية وتهجير السكان قسرًا، واعتبرت أن هذا النسق من الانتهاكات لا يترك مجالًا للشك بأن ما يجري هو سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، في خرق صريح لكل المواثيق الدولية ذات الصلة.

وطالبت اللجنة بتحرك سياسي وقانوني عاجل، ليس فقط لإيقاف الجرائم، بل لإعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي يتم انتهاكه أمام أعين العالم دون رادع، وأضافت أن المأساة لا تكمن فقط في حجم الانتهاكات، بل في ما وصفته بـ"العجز الجماعي والصمت المتواطئ" من قبل المجتمع الدولي، الذي لم يُبدِ أي مؤشرات على الاستعداد لمحاسبة الجناة أو حتى لوقف نزيف الدم.

وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة، اختارت اللجنة الإسلامية للهلال الدولي أن تجعل من هذه المناسبة السنوية منبرًا لتذكير العالم بما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مآسٍ متكررة، وفضح سياسات الاحتلال التي تتحدى القانون والضمير الإنساني على حد سواء، وختمت اللجنة بيانها بتجديد دعوتها إلى العمل المشترك ضمن منظومة التعاون الإسلامي، لإعلاء صوت الحق، ووقف نزيف الانتهاكات، وتثبيت مبدأ أن القانون الإنساني لا يُحتفى به في المؤتمرات فقط، بل يُطبّق على الأرض، ولو كره العابثون.