في مفاجأة كبرى وصفت بأنها تحول جذري في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمس الثلاثاء من الرياض عزمه رفع العقوبات الأميركية المستمرة منذ سنوات على سوريا، كما أعلن حصوله على تعهدات سعودية باستثمارات ضخمة بلغت نحو 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، وأكد مسؤول أميركي أن ترامب سيجري يوم الأربعاء لقاءً ثانويًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع على هامش الزيارة مما يُعد مؤشرًا واضحًا على تغير ديناميكيات العلاقات الدبلوماسية في المنطقة. ومع سؤال الصحفيين عن الدوافع، قال ترامب مازحًا موجهًا كلامه إلى ولي العهد السعودي: «ما أفعله من أجلك أيها الأمير»، وهو تصريح يعكس مدى التزام الإدارة الأميركية الجديدة بتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية التي تلعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة.
وأوضح ترامب في الرياض أن قرار رفع العقوبات جاء تلبيةً لطلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مشيرًا إلى أن هذه العقوبات كانت أداة ضغط مهمة ضد نظام الأسد لكنها تحولت إلى عقبة أمام إعادة إعمار سوريا، وفي المقابل، رحب وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة أسعد الشيباني بهذه الخطوة واصفًا إياها بأنها «بداية جديدة» لإعادة الإعمار، وهو ما يشير إلى وجود توافق نسبي بين الأطراف المعنية حول ضرورة تغيير النهج السياسي والاقتصادي تجاه سوريا. وكانت الولايات المتحدة قد صنفت سوريا عام 1979 دولة راعية للإرهاب وفرضت عقوبات جديدة عام 2004 وبعد اندلاع النزاع عام 2011، إلا أن التطورات الأخيرة تُظهر تغيرًا في أولويات واشنطن التي يبدو أنها تسعى لتحسين علاقاتها مع دمشق ضمن إطار استراتيجي أوسع يهدف إلى تحقيق استقرار المنطقة.
وكان أحمد الشرع، الرئيس السوري الحالي، قائدًا سابقًا لمليشيا إسلامية مسلحة تصدّر المشهد السياسي بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر الماضي، وتشير تقديرات إلى أن السعودية بادرت لتقريب المسافات معه من خلال إقناع واشنطن باعتباره شريكًا حقيقيًا في العملية السياسية، إذ زار الرياض في فبراير الماضي في أول جولة خارجية له منذ انهيار نظام الأسد، وهو ما يؤكد تحسن العلاقة بين البلدين وسعيهما المشترك لرسم مستقبل سياسي جديد في سوريا. ومن المتوقع أن يثير هذا التقارب ردود فعل متباينة بين من يرى فيه تعزيزًا لدور واشنطن في المنطقة وبين من يعتبره تنازلًا عن مبادئ ديمقراطية مقابل مكاسب اقتصادية، إلا أن الحسابات الجيوسياسية تبدو أنها تطغى على الاعتبارات الأيديولوجية في القرارات الأميركية الجديدة.
ومن المتوقع أن يتضمن اللقاء بين ترامب والشرع بحثًا حول إعادة دمج سوريا اقتصاديًا في السوق العالمية ضمن رؤية أميركية جديدة تقوم على الواقعية السياسية، ومع ذلك أكدت مصادر أميركية أن رفع العقوبات لن يتم إلا مقابل حصول واشنطن على ضمانات؛ منها قطع أي صلة مع التنظيمات الإرهابية، ونزع سلاح الميليشيات الأجنبية، وضمان حماية الأقليات والحريات الأساسية، وهي شروط تُظهر أن القرار الأميركي لا يزال مرتبطًا بتحقيق تغييرات جوهرية داخل البنية السياسية والأمنية في سوريا. وأضاف محللون أن من بين القضايا الأخرى احتمال إنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا لتخفيف التوتر مع إسرائيل، وهو ما قد يكون خطوة استباقية لمنع التصعيد الأمني في المنطقة وفتح المجال أمام تعاون إقليمي غير مباشر بين سوريا وإسرائيل برعاية أميركية.
ولم يقتصر تأثير هذه الخطوة على سوريا وحدها، بل يرى مراقبون أنها تمثل نقطة فاصلة في تاريخ السياسة الأميركية؛ فهي ستعيد رسم التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط وتسمح لأول لقاء على مستوى الرؤساء بين أميركي وسوري منذ عام 2000، وهو ما يُعد انقلابًا كاملًا على السياسات السابقة التي كانت تركز على العزلة الدولية لسوريا. ويرى مؤيدون أن هذا المسار الجديد قد يفتح أبوابًا أمام تحالفات إقليمية حول إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية، كما أن العقوبات الأميركية السابقة كانت تخنق الاقتصاد السوري لسنوات، مما يعزز حجة المسؤولين السوريين لتكثيف إعادة الإعمار حال رفعها. وينتظر المراقبون بشغف نتائج جولة ترامب الخليجية، إذ يرون في رفع العقوبات فرصة واعدة لتعزيز الاستثمار في سوريا بعد سنوات من العزلة الاقتصادية، في المقابل يحذر البعض من أن أي فشل في تلبية الشروط الأميركية قد يؤدي إلى انتكاسات سياسية وأمنية، ويبقى السؤال مطروحًا: هل ستكون هذه الخطوة التاريخية فاتحة لعهد جديد في العلاقات السورية-الأميركية أم أنها محاولة مؤقتة لتغيير الموازين الإقليمية؟