تواصل المملكة العربية السعودية تسجيل حضورها اللافت على الساحة الدولية من خلال إنجازات نوعية، وهذه المرة عبر قطاع المياه الذي نجح في إضافة رقمين قياسيين جديدين إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية، ما يعكس تقدم المملكة المتسارع في مجالات التقنية والاستدامة، وقد تسلّمت الهيئة السعودية للمياه الشهادتين رسميًا خلال حفل أقيم في مقرها بالرياض، بحضور كبار المسؤولين، يتقدمهم معالي وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي، ورئيس الهيئة المهندس عبدالله العبدالكريم، إضافة إلى وفد من الموسوعة العالمية.
الرقم الأول الذي سجلته المملكة يتعلق بأكبر محطة لتحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي (RO) على مستوى العالم، وهي محطة منظومة إنتاج الخبر – المرحلة الثانية، التي بلغت قدرتها الإنتاجية اليومية 670,852،4 مترًا مكعبًا، وهو رقم غير مسبوق عالميًا، ويُضاف إلى ذلك تفوقها من حيث البصمة الجغرافية، إذ تم بناؤها على أصغر مساحة أرض ممكنة مقارنة بمثيلاتها حول العالم، بفضل تطبيق منهجيات هندسية دقيقة.
إقرأ ايضاً:حقائب مجهزة للإلغاء.. السعوديون يسافرون بقلق ويشترطون استرداد أموالهم قبل الإقلاعأرقام حمراء تهز السوق.. انهيار جماعي يضرب الأسهم السعودية ويثير ذعر المستثمرين
وتم توثيق هذا الرقم الكبير في تاريخ 25 فبراير 2025، ما وضع المشروع ضمن خريطة الإنجازات العالمية، وأكد قدرة المملكة على تحقيق مشاريع ضخمة بكفاءة عالية، سواء في مستوى التصميم أو الأداء، ويعد هذا النوع من الإنجازات دليلاً على متانة الخبرات المحلية وقدرتها على الابتكار في التعامل مع تحديات ندرة المياه.
أما الرقم القياسي الثاني فقد حققته محطة الشعيبة – المرحلة الخامسة، التي سجلت أقل معدل عالمي لاستهلاك الطاقة في محطات التحلية العاملة بتقنية RO، حيث بلغ معدل فصل الأملاح 1،7 كيلو واط/ساعة لكل متر مكعب، والمعدل الكلي 2،34 كيلو واط/ساعة وهو رقم فاق التوقعات العالمية، وتجاوز حتى الرقم السابق المسجل باسم المملكة، وهو 2،27 كيلو واط/ساعة.
هذا الرقم الجديد لم يمر مرور الكرام، بل حظي بإشادة من البنك الدولي، الذي اعتبر المشروع نموذجًا متقدمًا في كفاءة استخدام الطاقة في محطات التحلية، وهو ما يُعطي دفعة قوية للمملكة في الترويج لمبادراتها البيئية وتوجهاتها نحو خفض البصمة الكربونية وتطبيق معايير الاستدامة العالمية.
ومن اللافت أن هذين الرقمين لم يكونا ثمرة جهود عشوائية، بل جاءا نتاج تخطيط استراتيجي دقيق، واستثمار واسع في الكفاءات الوطنية والبنية التحتية، واستخدام تقنيات متقدمة تُدار بمنهجيات علمية دقيقة، وتعكس هذه المشاريع حجم التحول الجذري في قطاع المياه السعودي، من مجرد مقدم خدمات إلى أحد أكبر منتجي الابتكار في إدارة الموارد المائية.
كوادر الهيئة السعودية للمياه، لا سيما في قطاع الشؤون الفنية والمشروعات، أدت دورًا محوريًا في تحقيق هذا الإنجاز، من خلال تطبيق أحدث ما توصلت إليه الهندسة القيمية والتقنيات الحديثة، والحرص على تحقيق أعلى كفاءة تشغيلية بأقل تكلفة بيئية، ما منح المملكة تميزًا نوعيًا يجعلها في طليعة الدول الرائدة في هذا المجال.
ولم تكن هذه الأرقام بداية المسيرة، إذ سبقتها تسعة أرقام قياسية أخرى سبق للهيئة تسجيلها ضمن موسوعة غينيس، ليصبح إجمالي عدد الأرقام المسجلة حتى اليوم أحد عشر رقمًا عالميًا، وهي حصيلة تعكس الطموح الكبير الذي تحمله المملكة في تعزيز موقعها كمركز عالمي للمعرفة والتميز في مجال المياه.
هذه الإنجازات لم تأتِ من فراغ، بل تُعبر عن رؤية المملكة 2030 التي تضع الابتكار والاستدامة في صلب مشاريعها التنموية، كما تجسّد نتائج خطط التحول الوطني التي تسعى إلى الارتقاء بجودة الحياة وتوفير موارد مستدامة للأجيال المقبلة، وتدل على التزام السعودية بقيادة الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة تحديات الأمن المائي.
إنّ ما حققته الهيئة السعودية للمياه يُعد ترجمة حقيقية لاستراتيجية المملكة التي تسعى لتحويل التحديات إلى فرص، ليس فقط على المستوى المحلي، بل بما يفتح آفاقًا للتعاون الإقليمي والدولي، وتبادل الخبرات والمعارف مع الدول التي تسعى لتحسين أنظمتها المائية وتقنياتها في التحلية.
المملكة اليوم لا تكتفي بأن تكون مستهلكًا للتقنيات العالمية، بل باتت مُنتجًا لها، ومصدرًا لنماذج تشغيلية وهندسية يُحتذى بها، وهو ما يجعل من إنجازاتها في قطاع المياه دليلاً واضحًا على ما يمكن أن تصنعه الرؤية الثاقبة والإرادة الجادة في بناء مستقبل أكثر استدامة.
وتعمل المملكة عبر هذه الإنجازات على تعزيز مكانتها ليس فقط كدولة ذات موارد نفطية ضخمة، بل أيضًا كدولة رائدة في التكنولوجيا الخضراء والحلول البيئية المبتكرة، ما يمنحها دورًا رياديًا في خريطة الاقتصاد العالمي الجديد الذي تهيمن عليه معايير الكفاءة والاستدامة.
المعنى الحقيقي لهذه الأرقام القياسية يتجاوز مجرد الأرقام، إذ يعكس طموحًا وطنيًا متجددًا للتميّز، ورغبة في تجاوز التوقعات، وتحقيق إنجازات قابلة للقياس والاعتراف بها عالميًا ويُمهّد الطريق لمرحلة أكثر طموحًا في إدارة الموارد الطبيعية والاستثمار فيها بذكاء وفعالية وفي ظل تنامي التحديات المناخية العالمية وتزايد الطلب على المياه، فإن هذه الأرقام القياسية تمنح المملكة أداة قوة إضافية في دبلوماسية المياه والتأثير في السياسات الدولية المتعلقة بإدارة الموارد الطبيعية، ما يجعلها شريكًا استراتيجيًا في الحلول المستدامة لمستقبل العالم.