بطاريات حرارية

أقل تكلفة من الليثيوم 4 مرات: هل يصبح الرمل وقود المستقبل لتدفئة العالم؟

كتب بواسطة: سوسن شرف |

في بلدة بورناينن الصغيرة بفنلندا، شهد العالم لحظة غير تقليدية، عندما بدأت البلاد تشغيل أكبر بطارية من الرمل على وجه الأرض، هذا الابتكار الجديد فتح الباب أمام مرحلة مختلفة تمامًا في استخدام مصادر الطاقة النظيفة، لا سيما في دول تواجه برد الشتاء القارس.

البطارية، التي قد لا توحي للوهلة الأولى بأي تطور تقني خارق، تعتمد في جوهرها على مادة بسيطة ومتوفرة: الرمل، لكن ما يخفيه هذا الرمل، هو قدرة استثنائية على تخزين حرارة تكفي لتدفئة مدينة كاملة لعدة أيام.
إقرأ ايضاً:هل يتخلى اللاعبون عن الأجهزة؟ سوني تكشف استراتيجيتها المزدوجة لـ PS6 بين السحابي والتقليدي!قبل فوات الأوان.. هل لديك فكرة ستغير مستقبل الكهرباء في المملكة؟.. سجل الآن في "إلكتراثون" قبل الموعد النهائي!

التقنية التي طورتها شركة Polar Night Energy الفنلندية، تعتمد على صومعة ضخمة تضم آلاف الأطنان من الصخور المسحوقة – وتحديدًا "حجر الصابون"، الذي كان يُعد في الماضي من بقايا الصناعة التي لا قيمة لها، أما اليوم، فقد تحوّل إلى عنصر أساسي في مستقبل الطاقة الحرارية.

يُسخّن الحجر باستخدام طاقة متجددة، حتى تصل حرارته إلى 400 درجة مئوية، ثم يُحتفظ بها داخل البطارية لأيام، ما يسمح بنقل هذه الحرارة إلى شبكة التدفئة المركزية في أوقات الذروة أو الأزمات المناخية.

ما يميز المشروع الفنلندي أنه لا يكتفي فقط بتقديم حل بديل للوقود الأحفوري، بل يجمع بين الكفاءة الاقتصادية والبيئية، إذ إنه يخفض استهلاك رقائق الخشب بنسبة 60%، ويقلل بشكل ملموس من الانبعاثات الكربونية.

البطارية قادرة على تخزين طاقة حرارية تصل إلى 1000 ميغاواط/ساعة، وهي كمية تكفي لتدفئة المدينة لمدة أسبوع كامل، وهو ما يمنح المجتمعات المحلية استقرارًا حراريًا حتى في أشد فصول السنة برودة.

من الناحية الاقتصادية، فإن المشروع يُعد طفرة، إذ يتيح استغلال أرخص أوقات إنتاج الكهرباء لشحن البطارية، بينما تُستخدم الطاقة المخزنة في أوقات ارتفاع الطلب، ما يحقق توازنًا ذكيًا بين العرض والاحتياج.

وتملك فنلندا بالفعل واحدة من أرخص شبكات الكهرباء في أوروبا، وهو ما يجعل شحن البطارية خلال فترات الإنتاج العالي للطاقة المتجددة خيارًا عمليًا ومجديًا على المستويين الفردي والوطني.

الاهتمام بالحلول الحرارية لتخزين الطاقة لا يقتصر على فنلندا وحدها، فشركات ناشئة في دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة تعمل على تطوير تكنولوجيا مشابهة باستخدام الطوب المقاوم للحرارة أو الأملاح الصناعية.

من بين هذه الشركات تبرز "Sunamp" الاسكتلندية و"Fourth Power" الأميركية، التي تسعى إلى تطوير بطاريات تحتفظ بحرارة تصل إلى 2400 درجة مئوية، وهي أرقام كانت يومًا تُعد خيالًا علميًا.

أما على مستوى التكلفة، فالفارق مذهل، تخزين الطاقة في بطاريات الليثيوم يكلف نحو 115 دولارًا لكل كيلوواط/ساعة، بينما قد تنخفض تكلفة تخزين الطاقة في بطارية الرمل الفنلندية إلى أقل من ربع هذا الرقم.

هذا يعني أن الدول ذات الموارد المحدودة أو التي تعاني من انقطاعات متكررة في الكهرباء، يمكن أن تستفيد من التكنولوجيا الجديدة دون أن تُرهق ميزانياتها.

وإذا استمرت هذه التجارب بالنجاح والتوسع، فقد نكون على أبواب ثورة عالمية في إدارة الطاقة الحرارية، وربما يصبح الرمل يومًا ما أغلى من الذهب في سوق الطاقة.

المثير في هذه القصة ليس فقط بساطة المادة الخام، بل أيضًا إمكانية تعميم النموذج الفنلندي في مدن وبلدات أخرى تواجه تحديات مماثلة، ما يجعل الابتكار خطوة نحو مستقبل أكثر استدامة ومرونة.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار