في إنجاز جديد يُضاف إلى سجل الإمارات المتنامي في مجال الابتكار الفضائي، أعلنت جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا بالتعاون مع وكالة الإمارات للفضاء عن بدء تشغيل أول نظام دفع دقيق وآمن بيئيًا للأقمار الاصطناعية المصغرة، هذا النظام طُوّر بالكامل داخل الدولة، ويُعد خطوة مهمة لتعزيز الاكتفاء الذاتي في تصميم وتشغيل أنظمة الدفع الفضائية.
النظام الجديد صُمم خصيصًا للأقمار المصغرة من نوع 6U، وهو حجم معياري يُستخدم عالميًا في البعثات العلمية والاستكشافية، ويأتي هذا التطوير في إطار مبادرة وطنية استراتيجية تهدف إلى رفع جاهزية الإمارات للمنافسة في سباق الفضاء العالمي عبر حلول مبتكرة وآمنة.
إقرأ ايضاً:ماذا تخبئ غابة جوجل؟ تسريبات تكشف عن أسماء رمزية جريئة لسلسلة Pixel 12!خطوة رائدة : جامعة طيبة تفتح باب القبول في برنامج السنة التأهيلية للصم وضعاف السمع
المشروع حظي بدعم مباشر من وكالة الإمارات للفضاء، ونتج عن اتفاقية تعاون موقعة مع جامعة خليفة، حيث شارك فيه ستة باحثين جامعيين، إلى جانب نخبة من المتخصصين في القطاع الفضائي، ما يعكس تكامل الجهود الأكاديمية والحكومية في خدمة الهدف الوطني.
النظام دخل بالفعل مراحله النهائية من التشغيل التجريبي داخل مختبر الأقمار الاصطناعية الصغيرة في جامعة خليفة، ويُنتظر أن يُحدث نقلة نوعية في القدرات المحلية بمجال التحكم المداري والمناورات الفضائية الدقيقة، من دون الاعتماد على أنظمة دفع كيميائية تقليدية.
في قلب هذا النظام تكمن وحدة دفع مضغوطة عالية الأداء، تعتمد على مادة بيروكسيد الهيدروجين عالية التركيز كمادة دفع غير سامة، وما يميز هذا الابتكار هو تحلُّل المادة إلى بخار ماء وأكسجين فقط، ما يجعله صديقًا للبيئة ومثاليًا للبعثات المدارية المستدامة.
ولم يقتصر التميز على نوعية المادة، بل شمل أيضًا تصميمًا تقنيًا متقدمًا يحتوي على خمسة محركات يمكن التحكم بها بخمس درجات حرية، ما يمنح الأقمار الاصطناعية الصغيرة قدرات تحكم غير مسبوقة مقارنة بحجمها ووزنها.
وفي تعليق رسمي على الحدث، وصف سالم بطي القبيسي، المدير العام لوكالة الإمارات للفضاء، هذا التطوير بالإنجاز التاريخي، مؤكدًا أن الإمارات تخطو بثبات نحو بناء منظومة فضائية مستدامة تدار بأيدٍ إماراتية، وتتناسب مع معايير الحفاظ على البيئة والسلامة التقنية.
بدوره، أشار البروفيسور إبراهيم الحجري، رئيس جامعة خليفة، إلى أن هذا المشروع يمثل تجسيدًا عمليًا لرؤية الإمارات في تعزيز الاستقلالية التقنية وبناء قاعدة محلية متقدمة في تقنيات الفضاء، وهو ما يعزز مكانة الدولة كفاعل رئيسي في هذا القطاع عالميًا.
وأضاف الحجري أن الجامعة تحرص على تنمية الكوادر الوطنية القادرة على الإبداع، وتوفير بيئة بحثية متقدمة تُمكّن من إطلاق مشاريع فضائية متكاملة، تمتد من الفكرة حتى الإطلاق المداري.
ووفق الخطة، سيتم دمج وحدة الدفع الجديدة داخل قمر صناعي صغير بحجم 6U، يُتوقع إطلاقه بحلول نهاية عام 2026، على أن يتم استخدامه في اختبار فعالية نظام الدفع في التحكم بالارتفاع وتنفيذ مناورات دقيقة داخل المدار الأرضي المنخفض.
أهمية الإطلاق المرتقب لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى كونه يمثل خطوة أولى نحو تأسيس سلسلة أقمار صناعية إماراتية مصغرة بالكامل، تُشكّل منصة مستقلة للوصول إلى الفضاء من داخل الدولة.
إلى جانب المشروع الرئيسي، أُنشئت منشأة متخصصة في أبوظبي لاختبار الدفع بالميلي نيوتن، وهي الأولى من نوعها في المنطقة، وتهدف إلى دعم التجارب المستقبلية وتوفير البنية التحتية المناسبة للباحثين والشركاء الصناعيين في مجال الدفع الفضائي.
كما ستقود جامعة خليفة مراحل التجميع والتكامل واختبارات ما قبل الإطلاق، بالتعاون مع مؤسسات وطنية ودولية لضمان استيفاء كافة المعايير وضمان الإطلاق في الوقت المناسب دون تأخير.
وتتمثل إحدى أهم نتائج هذا المشروع في القدرة على التحقق محليًا من تقنيات الدفع المتطورة، دون الحاجة إلى الاعتماد على خبرات خارجية، ما يُكسب الإمارات استقلالًا تقنيًا في مجال بالغ الحساسية كصناعة الفضاء.
بهذا الإنجاز، تواصل الإمارات ترجمة رؤيتها المستقبلية الطموحة إلى واقع ملموس، حيث تؤكد أنها ليست مجرد مستهلك للتكنولوجيا، بل مساهم حقيقي في صناعتها، خاصة في مجالات دقيقة كالدفع المداري للأقمار الصناعية المصغرة.