في خطوة تعكس طموحات المملكة العربية السعودية لتصبح مركزًا عالميًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة "هيوماين" عن خطة استراتيجية طموحة تهدف إلى استقطاب كبرى الشركات والمستثمرين في قطاع التكنولوجيا الأميركي، بالإضافة إلى إطلاق صندوق استثماري ضخم يحمل اسم "Humain Ventures"، برأسمال أولي يبلغ 10 مليارات دولار، وتأتي هذه التحركات في إطار رؤية أوسع لتعزيز مكانة السعودية في اقتصاد المعرفة، ودعم الابتكار الرقمي محليًا وعالميًا.
الرئيس التنفيذي للشركة، طارق أمين، كشف في أول ظهور إعلامي له منذ إطلاق "هيوماين"، عبر مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز"، أن الشركة تجري حاليًا محادثات مع أسماء بارزة في وادي السيليكون، مثل شركة "OpenAI"، والمملوكة جزئيًا لمايكروسوفت، إضافة إلى شركة "xAI" التي أسسها إيلون ماسك، وشركة رأس المال الجريء الشهيرة "Andreessen Horowitz"، وتطمح "هيوماين" من خلال هذه التحالفات إلى لعب دور محوري في صياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميًا انطلاقًا من الرياض.
الصندوق الاستثماري المنتظر، الذي من المقرر إطلاقه خلال صيف 2025، سيتوجه لاستثمار رأس المال في شركات ناشئة متخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وبعض مناطق آسيا، في محاولة لبناء جسور اقتصادية وتقنية بين المملكة ومراكز الابتكار العالمية، وتعد هذه الخطوة استكمالاً لرؤية المملكة 2030 في تنويع الاقتصاد، وتعزيز البنية التحتية التقنية، وتوطين المعرفة الصناعية.
"هيوماين" التي تنضوي تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، كانت قد أبرمت خلال الشهر الجاري مجموعة من الاتفاقيات الكبرى مع شركات أميركية رائدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك ضمن فعاليات منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي، وشملت هذه الاتفاقيات تعاونًا استراتيجيًا يضع الأسس لتحولات رقمية واسعة النطاق، تبدأ من البنية التحتية ولا تنتهي عند تطوير التطبيقات المستقبلية.
واحدة من أبرز هذه الاتفاقيات كانت مع شركة "إنفيديا"، حيث تم توقيع شراكة لاستقدام رقائق GB300 Grace Blackwell، والتي تعد من أكثر معالجات الذكاء الاصطناعي تطورًا في العالم، وبموجب الاتفاق، ستحصل "هيوماين" على دفعة أولى من 18 ألف رقاقة، ضمن صفقة أوسع تشمل توريد مئات الآلاف منها في السنوات القادمة، ما يجعلها من أكبر الصفقات التقنية في منطقة الشرق الأوسط.
كما وقعت "هيوماين" اتفاقًا ثنائيًا مع شركة AMD الأميركية، بقيمة 10 مليارات دولار، يهدف إلى بناء وتوسيع بنية تحتية للحوسبة الذكية في المملكة بقدرة 500 ميغاواط خلال خمس سنوات، فالمشروع يطمح إلى إنشاء منصة سحابية من الجيل القادم قادرة على استيعاب تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا، مع بدء تشغيل بعض القدرات بحلول عام 2026، مما يمهد الطريق لتفوق تقني إقليمي.
ويُنتظر أن تؤدي هذه الخطط والاتفاقيات إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة داخل المملكة، حيث تشير التقديرات إلى أن استثمارات "هيوماين" ستساهم بأكثر من 24 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، بالإضافة إلى توفير ما يزيد عن 22 ألف وظيفة نوعية في مجالات تقنية متقدمة، تمثل ركيزة أساسية لمستقبل الاقتصاد السعودي.
هذا التوجه الجريء نحو الريادة في الذكاء الاصطناعي يعكس ليس فقط طموحًا اقتصاديًا، بل إرادة استراتيجية لتحويل المملكة إلى منصة دولية لتقنيات المستقبل، من خلال تكامل الاستثمار مع البنية التحتية، وتوظيف رأس المال الجريء، وبناء شراكات مع نخبة الشركات العالمية، ما يجعل من "هيوماين" لاعبًا سعوديًا صاعدًا في مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي.