في توجيه علمي جديد يهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بجودة الهواء داخل المنازل، أكد أستاذ المناخ السابق بجامعة القصيم، الدكتور عبدالله المسند، أهمية الحفاظ على نسبة رطوبة معتدلة في المنازل، خاصة خلال فصل الصيف وفي المدن البعيدة عن السواحل، وبيّن المسند أن الرطوبة المثلى للهواء الداخلي يجب أن تتراوح بين 40% إلى 60%، وفقًا لما توصي به الهيئات الصحية والهندسية المختصة، مشيرًا إلى أن هذا المعدل يمثل التوازن المثالي الذي يجمع بين الراحة الحرارية والصحة العامة وجودة الهواء داخل المنازل.
وأوضح الدكتور المسند أن الانحراف عن هذا المدى الموصى به سواء بالانخفاض أو الارتفاع قد يؤدي إلى عواقب صحية وبيئية متعددة، فإذا انخفضت الرطوبة إلى ما دون 30%، فإن ذلك يُعرّض الجسم لمجموعة من المشكلات الصحية، أبرزها جفاف العينين والجلد والأغشية المخاطية، إلى جانب تهيج الجهاز التنفسي العلوي، مما يفاقم من أعراض الحساسية والربو، لا سيما لدى الأطفال وكبار السن والمصابين بأمراض تنفسية مزمنة.
إقرأ ايضاً:في قلب عرفات الهلال الأحمر ينقذ حياة حاج بإخلاء طبي جوي عاجل!خدمة غير مسبوقة "الطرق" تطلق منصات متنقلة لإنقاذ حافلات الحجاج المتعطلة!
وفي المقابل، حذّر المسند من خطورة تجاوز نسبة الرطوبة 60% داخل البيوت، حيث إن هذا الارتفاع يشكل بيئة ملائمة لتكاثر العديد من الكائنات الدقيقة الضارة، مثل العفن والبكتيريا وعثّ الغبار، كما يعزز من انتشار الفيروسات والفطريات، وهو ما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض تنفسية مزمنة أو تفاقم حالات مرضية قائمة بالفعل، وأشار إلى أن هذه العوامل البيئية قد لا تكون ملحوظة فورًا، لكنها تؤثر بشكل تراكمي على صحة الأفراد وسلامة البيئة المنزلية.
وسلّط المسند الضوء على الظروف المناخية في المملكة العربية السعودية، والتي تتسم بمناخ صحراوي جاف في أغلب المناطق الداخلية، مبينًا أن الهواء الخارجي في هذه المناطق غالبًا ما تكون رطوبته أقل من 15%، وأكد أن هذا الانخفاض الشديد ينعكس سلبًا على المنازل، خاصة مع الاستخدام المستمر لمكيفات الهواء التي تسحب الرطوبة من الجو، ما يؤدي إلى أجواء داخلية جافة للغاية قد تكون غير صحية إن لم تُعالج بشكل مناسب.
وفي هذا السياق، شدد الدكتور المسند على أهمية التعامل مع هذه الظروف من خلال اعتماد وسائل فعالة لترطيب الهواء داخل المنازل، موصيًا باستخدام أجهزة ترطيب الهواء، والتي أصبحت متوفرة بأسعار متنوعة وبأحجام تناسب مختلف احتياجات الأسر، كما أشار إلى أن المكيفات الصحراوية الصغيرة والمتحركة تُعد خيارًا جيدًا لرفع الرطوبة النسبية داخل المنزل بطريقة صحية وآمنة، خصوصًا في الأوقات التي تبلغ فيها درجات الحرارة ذروتها.
وأشار أيضًا إلى أن ضبط الرطوبة لا يُسهم فقط في تحسين الحالة الصحية للسكان، بل يلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على المفروشات والخشب والديكورات الداخلية، إذ إن انخفاض الرطوبة يسبب تشققات في الخشب وتلف المواد الحساسة للجفاف، بينما يؤدي ارتفاعها المفرط إلى تحلل المواد العضوية وتكوّن الروائح غير المرغوبة.
ورأى المسند أن مسألة مراقبة جودة الهواء الداخلي، بما في ذلك الرطوبة، ينبغي أن تتحول إلى ثقافة عامة وسلوك يومي لدى الأفراد، كما دعا إلى تعزيز الوعي المجتمعي من خلال الحملات التوعوية التي توضح المخاطر المحتملة، وتوفر حلولًا عملية وملائمة لطبيعة المناخ المحلي، مؤكدًا أن التوازن البيئي داخل المنازل ليس ترفًا بل ضرورة للحفاظ على صحة الإنسان وسلامته.
واختتم الدكتور المسند تصريحه بدعوة الجهات المختصة، لا سيما وزارتي الصحة والإسكان، إلى دمج معايير الرطوبة وجودة الهواء في مواصفات البناء السكني، إلى جانب تشجيع المواطنين على الاهتمام بالتهوية السليمة وضبط درجات الحرارة والرطوبة بما يحقق راحة ورفاهية أكبر داخل مساكنهم، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطوات تمثل استثمارًا حقيقيًا في صحة الإنسان وسلامة البيئة الداخلية على المدى الطويل.