قمر الفراولة

حدث لا يتكرر إلا كل 18 عاماً: قمر الفراولة يسطع من أقصى الجنوب

كتب بواسطة: محمد اسعد |

في مشهد فلكي نادر لا يتكرر إلا مرة واحدة كل ما يقارب عقدين من الزمن، تستعد سماء المملكة العربية السعودية والعالم في الحادي عشر من يونيو الجاري لاستقبال ظاهرة استثنائية تُعرف بـ"الوقوف القمري العظيم" أو Lunar Standstill، والتي تُعد واحدة من أندر الظواهر الفلكية المرتبطة بدورة القمر حول الأرض، وهذه الظاهرة الفريدة تحدث نتيجة بلوغ القمر أقصى درجات الانحراف في مداره، سواء نحو الشمال أو الجنوب، مما يغيّر من مكان شروقه وغروبه بشكل غير معتاد ويمنح السماء مشهداً مبهراً يستحق التأمل والتوثيق.

الوقوف القمري العظيم ليس مجرد تكرار دوري لحركة سماوية، بل هو نتيجة مباشرة لتفاعلات دقيقة بين مدار القمر وميل محور الأرض، ما يؤدي إلى أن يظهر القمر في أقصى زوايا الأفق، وهي لحظة نادرة تُحدث تغييرات بصرية واضحة في موقع القمر في السماء، يمكن ملاحظة هذه الظاهرة دون الحاجة إلى معدات فلكية متقدمة، ما يجعلها فرصة ذهبية لعامة الناس قبل أن تختفي مجددًا لعقدين آخرين، وتعود في عام 2043.
إقرأ ايضاً:صفقة دياز المرتقبة.. هل ينتقل جناح ليفربول إلى برشلونة؟أمانة الشرقية تُعلنها بهجة انطلاق فعاليات عيد الأضحى 1446 بروح جديدة!

وبحسب ما أعلنه "نادي الفلك والفضاء"، فإن الظاهرة ستكون هذا العام أكثر تميزًا، إذ تتزامن مع بزوغ "قمر الفراولة"، وهو الاسم الشائع للبدر الكامل لشهر يونيو، وسيظهر القمر من أقصى نقطة جنوبية له في الأفق، ما يُضفي على المشهد الفلكي مزيدًا من الجمال والفرادة، وقد أُطلق على هذا البدر اسم "قمر الفراولة" تقليديًا في أميركا الشمالية، نسبةً إلى موسم جني الفراولة في هذا التوقيت، إلا أن سحره الفلكي يتجاوز كل التسميات.

سيكون بإمكان سكان المملكة والعالم متابعة الظاهرة بالعين المجردة شرط صفاء الأجواء، حيث يمكن للراصدين من على الأرض ملاحظة شروق القمر من أقصى الجنوب وغروبه في أقصى الشمال، وهو أمر لا يحدث في الحالات القمرية العادية التي يعرف فيها القمر مسارًا أكثر اتساقًا، وهذه التغيرات في زوايا الرؤية تجعل من الوقوف القمري حدثًا ممتعًا للرصد والتصوير، خاصة لهواة الفلك والمصورين الليليين.

وتعود أهمية هذه الظاهرة إلى قيمتها العلمية أيضًا، إذ تتيح للباحثين فرصة نادرة لمراقبة تغيرات القمر وموقعه في السماء بطريقة أكثر دقة، وتُستخدم هذه الظاهرة لدراسة الانحراف المداري وديناميكيات حركة القمر، وقد استُخدمت في الماضي لفهم خصائص مواقع الأجرام السماوية وتحديد مواقيت الرؤية الفلكية الدقيقة، كما أن بعض الحضارات القديمة كانت تتابع هذه الظاهرة في طقوسها الزراعية والدينية، ما يعكس عمق العلاقة بين الإنسان والسماء.

ولأنها ظاهرة تحدث كل 18.6 سنة فقط، فإن الوقوف القمري العظيم يحمل طابعًا نادرًا يكاد يقترب من الأسطوري في عالم الفلك، وسيكون من النادر أن يجتمع هذا الوقوف مع ظهور "قمر الفراولة"، ما يجعل 11 يونيو 2025 ليلة ذات طابع خاص لكل من يعشق السماء ويهوى استكشاف عجائبها المتغيرة، وقد بدأت بالفعل العديد من الجمعيات الفلكية والهواة في الترويج لهذه الليلة استعدادًا لرصدها وتوثيقها بكاميرات احترافية وعدسات موجهة نحو السماء.

التقاط هذه اللحظة لا يتطلب أدوات معقدة، بل فقط مساحة مفتوحة، سماء صافية، وتوقيت دقيق، وهو ما يجعل من الحدث مناسبة شعبية جماهيرية أيضًا، حيث من المتوقع أن يخرج كثيرون في الليلة المحددة لمتابعة المشهد مع الأصدقاء والعائلة، تمامًا كما يحدث خلال الكسوف أو زخات الشهب، إنها فرصة للتواصل بين الإنسان والكون، وإحياء مشاعر الدهشة القديمة التي كانت تحرك الحضارات الأولى نحو علم الفلك.

ومع اقتراب الموعد المنتظر، تشجع الهيئات الفلكية على التوعية بالحدث من خلال منصات التواصل الاجتماعي والبرامج التعليمية، باعتبار الظاهرة فرصة لنشر الثقافة الفلكية وتعزيز الاهتمام بالعلوم الطبيعية لدى الأجيال الجديدة، كما أن هذا التفاعل العالمي مع حدث فلكي واحد يُعيد التذكير بقدرة السماء على توحيد البشر حول مشهد كوني لا يعترف بالحدود الجغرافية أو السياسية.