في دراسة علمية حديثة نُشرت بالتعاون بين باحثين من الولايات المتحدة وهولندا، كشفت النتائج عن قدرة متقدمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في تقديم تحذيرات أسرع وأكثر دقة من العواصف الشديدة والأعاصير المدارية، هذه الخطوة تمثل تحولاً نوعيًا في علوم الأرصاد الجوية، حيث تشير إلى اقتراب مرحلة جديدة من التنبؤات المناخية تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي بدلاً من الأساليب التقليدية المعتمدة على النماذج الفيزيائية المعقدة، ويبدو أن الفجوة التي لطالما كانت تفصل بين سرعة الطبيعة ودقة العلم بدأت تضيق بفضل التقنيات الذكية.
وأشار فريق الباحثين، المنتمي إلى شركة مايكروسوفت، في الورقة العلمية التي جرى نشرها مؤخرًا، إلى أن النموذج الذي طورته الشركة تحت اسم "أوروا" (Aurora) نجح في تحقيق نتائج تفوق توقعات النماذج التشغيلية التقليدية في عدة مؤشرات حيوية، وشملت هذه المؤشرات جودة الهواء، وارتفاع أمواج المحيطات، وتحديد مسارات الأعاصير المدارية، ووفقًا للدراسة، فإن "أوروا" لا يتميز فقط بالدقة، بل يتفوق أيضًا في كفاءة استهلاك الموارد الحاسوبية، إذ يتطلب أنظمة تشغيل أقل تكلفة وقدرة حوسبية أدنى من تلك المستخدمة في النماذج التقليدية.
إقرأ ايضاً:طعنات الغدر تُنهي حياة أكاديمي سعودي والجاني يحاول الفرارقطار الحرمين ينقل المتعجلين للمدينة وسط تنظيم دقيق
وتعد دقة التوقعات المناخية وسرعتها من العناصر الحاسمة في مواجهة الكوارث الطبيعية، حيث إن الفارق الزمني بين رصد الإعصار أو العاصفة وتحذير السكان يمكن أن يكون مسألة حياة أو موت، ومن هذا المنطلق، يمثل "أوروا" تطورًا لافتًا قد يُحدث ثورة في إدارة المخاطر المناخية، ويُسهم في تقليل الأضرار البشرية والمادية بشكل كبير، ويعتمد هذا النموذج على خوارزميات تعلُّم عميق قادرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات المناخية والبيئية في وقت قصير، ومن ثم تقديم نماذج دقيقة للتطورات المناخية القادمة.
وتشير الدراسة إلى أن هذا النموذج الذكي لا يقتصر استخدامه على العواصف والأعاصير فقط، بل يمتد ليشمل مراقبة تلوث الهواء وتحليل الظواهر البحرية مثل التيارات والدوامات وموجات التسونامي، ومن هنا، فإن الاستخدامات المحتملة لتقنية "أوروا" لا تقتصر على التنبؤ بالمخاطر فقط، بل تفتح المجال أمام حلول بيئية أوسع نطاقًا، يمكن أن تفيد القطاعات البحرية، والطيران، وإدارة المدن الذكية، وحتى الزراعة.
ويُتوقع أن تسهم هذه التقنية في تعزيز قدرة الحكومات والمنظمات على التعامل مع التغير المناخي الذي بات يؤثر بشكل متزايد على نمط الحياة في مختلف أنحاء العالم، ففي الوقت الذي تتزايد فيه العواصف الموسمية، وتشتد حدة الظواهر المناخية نتيجة الاحتباس الحراري، يصبح الذكاء الاصطناعي وسيلة ضرورية لا خيارًا إضافيًا، في سعي الإنسان لفهم وترويض الطبيعة الجامحة.
ويرى المختصون أن الجمع بين السرعة والموثوقية في نظام واحد يُعد الإنجاز الأهم في هذا المجال، خاصة أن معظم النماذج الحالية تعاني من إما بطء في التحليل أو محدودية في التنبؤات، ويضيفون أن ما يجعل الذكاء الاصطناعي واعدًا هو قدرته على "التعلُّم الذاتي" أي تحسين أدائه مع مرور الوقت، ما يمنحه أفقًا واسعًا للتطور، ويجعله أكثر فاعلية مع كل عملية استخدام.
في السياق ذاته، أعرب عدد من الخبراء الأوروبيين عن تفاؤلهم بنتائج الدراسة، مشيرين إلى أن المستقبل القريب قد يشهد اعتمادًا أكبر على النماذج الذكية في مراكز التنبؤات الجوية، بما يضمن استعدادًا أفضل لمواجهة الكوارث، ومن المنتظر أن يُجرى المزيد من التجارب الميدانية لتقييم أداء "أوروا" في بيئات مناخية مختلفة، تمهيدًا لاعتماده على نطاق أوسع عالميًا.
وتمثل هذه الدراسة واحدة من المؤشرات المتزايدة على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على مجالات التقنية أو الخدمات، بل أصبح شريكًا أساسيًا في التحديات الكونية الكبرى، وعلى رأسها حماية الإنسان من تقلبات الطبيعة، ويبدو أن ما بدأ كأداة تحليل بيانات أصبح الآن في قلب القرار العلمي والاستراتيجي لمستقبل المناخ العالمي.