مبادرات البيئة

من شوارع حائل إلى قلوب العالم.. مبادرة فريدة تجمع البيئة بالرفق بالحيوان!

كتب بواسطة: بدور حمادي |

في زاوية هادئة من منتزه في حائل، تقف آلة صغيرة دون ضجيج، لكنها تحمل في قلبها رسالة عظيمة عن المدينة التي تحترم الحياة بجميع أشكالها, تلك الآلة ليست مجرد صندوق معدني، بل تجسيد ملموس لمعنى الرحمة، حين تمتد العناية من الإنسان إلى الكائنات التي تعيش في الظل، بعيدًا عن أعين الناس واهتمامهم.

أطلقت أمانة منطقة حائل مبادرة فريدة حملت عنوان "آلة إعادة التدوير الذكية لإطعام الحيوانات الضالة"، فكرة بدت بسيطة من الخارج، لكنها غارقة في المعاني من الداخل, فهي لا تقتصر على تقديم الماء والطعام، بل تخلق صلة بين حماية البيئة والرفق بالحيوان، في مشهد لا يُمكن تجاهله.
إقرأ ايضاً:هل يتجاوز الذهب حاجز 360 ريالًا قريبًا في السوق السعودي؟الأهلي في مرحلة بناء جديدة.. رحيل أليوسكي يُفتح الباب أمام صفقات أجنبية جديدة!

الآلة تستقبل عبوات بلاستيكية وبقايا طعام من المارة، وتعيد تدويرها تلقائيًا إلى وجبات وماء توضع في أوعية مخصصة للقطط والكلاب الضالة، في محاولة عملية لمواجهة قضيتين بآلية واحدة: النفايات والعطش.

المبادرة اختارت أماكنها بعناية داخل المدينة، حيث نُصبت الآلات في منتزهات شهيرة مثل منتزه الأمير عبدالعزيز بن سعد، ومنتزه الأمير سعود بن عبدالمحسن، ومنتزه الفجر، ما يُسهّل على سكان المدينة التفاعل معها في حياتهم اليومية.

كل آلة مزوّدة برمز QR، لا يقود إلى دعاية أو شعار، بل إلى خريطة تعرّفك على مواقعها وتدعوك للمشاركة في هذا الفعل البسيط والنبيل, فالمبادرة لا تطلب الكثير، لكنها تزرع الكثير في القلب: الشعور بالمسؤولية، والتقدير لكل نفس تتنفس قربنا.

في زمن باتت فيه المواقف الإنسانية تتراجع أمام صخب المدن وسرعة الحياة، تأتي هذه الآلة كوقفة تأمل، تذكّر العابر بأن التحضر لا يُقاس بارتفاع الأبراج، بل بحجم الرحمة التي تتغلغل في تفاصيل الشارع.

ما يميز هذه المبادرة أنها لا تحتاج إلى خطاب أو إعلان كبير, فالآلة نفسها، من دون كلمات، تعلّم الأطفال والبالغين أن العطاء لا يحتاج إلى تصريح، وأن الاحترام الحقيقي للمدينة يبدأ حين لا يُترك جائع أو عطشان، حتى لو كان بلا صوت أو اسم.

حائل، في هذه الخطوة، لم تستنسخ فقط تجربة خارجية، بل صنعت نسختها المحلية بلغة مجتمعها وروح مدينتها, استعانت بأصالة أهلها ومؤسساتها لتصنع من الفكرة العالمية عملاً نابعًا من بيئتها، لا مستعارًا منها.

مشاهد مماثلة رأيناها في إسطنبول وشنغهاي ومدن أخرى تبنّت فلسفة احترام الكائنات الهشة التي تشاركنا الشوارع، لكن حائل أضفت على الفكرة نكهة عربية أصيلة، جعلتها أقرب وأصدق وأكثر ارتباطًا بالمكان.

هذا النوع من المبادرات يفتح نافذة جديدة للتفكير: كيف يمكن للمخلفات أن تصبح جسرًا للرحمة؟ وكيف يمكن لفعل بسيط أن يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة المحيطة به؟ إنها دعوة ضمنية لإعادة ترتيب أولوياتنا.

المبادرة لا تتحدث فقط عن القطط والكلاب، بل عن ما هو أعمق: عن شعور المدينة تجاه الحياة التي تتنفس فيها, عن قدرتها على أن تكون حاضنة لكل من يعيش فيها، حتى من دون صوت أو حق قانوني.

الجميل في هذه المبادرة أنها لا تقتصر على الأداء المؤسسي، بل تدعو المجتمع للمشاركة، من خلال سلوكيات يومية تساهم في خلق بيئة متوازنة، لا تُقصي أحدًا ولا تتجاهل أي مخلوق، مهما كان بسيطًا أو ضعيفًا.

من هنا تبدأ المدن العظيمة في كتابة تاريخها, لا بالمشاريع العملاقة وحدها، بل بالمبادرات التي لا تلمع، لكنها تُضيء القلوب, بمواقف تعكس فهمًا عميقًا لدور الإنسان كجزء من هذا الكوكب، لا سيدًا مطلقًا عليه.

وفي النهاية، تبقى هذه الآلة الصغيرة دليلًا صامتًا على أن التقدم لا يكون دائمًا بصخب التكنولوجيا، بل أحيانًا في أبسط فكرة، وأكثرها تواضعًا، حين تُستخدم لتزرع الرحمة، وتعلّمنا جميعًا أن التحضر يبدأ من العناية بالضعفاء.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار