في إنجاز طبي جديد يضاف إلى سجل التقدم الصحي في المملكة، نجح فريق طبي في مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بمدينة الخبر في إنقاذ حياة شاب ثلاثيني كان يعاني من حالة صحية حرجة ناجمة عن إصابته بمرض نادر ومعقد يُعرف باسم متلازمة انحلال الدم اليوريمية غير النمطية، وهي حالة تهدد الحياة وتسبب فشلًا كلويًا حادًا بسبب اضطراب في جهاز المناعة يؤدي إلى تدمير الأوعية الدموية الدقيقة وتكسر الصفائح الدموية.
وجاءت حالة المريض إلى المستشفى وهو في وضع صحي حرج، يعاني من هبوط حاد في الدم نتيجة لتكسر كبير في كريات الدم الحمراء، إضافة إلى فشل كلوي تطلب إخضاعه الفوري لجلسات غسيل كلوي طارئة، مما استدعى تدخلًا طبيًا سريعًا لفهم الحالة ووضع خطة علاجية دقيقة تنقذ حياته من التدهور السريع.
إقرأ ايضاً:
صفقات نارية من العيار الثقيل ... بن نافع يتحرك لإعادة هيبة الهلال السعودي!مالكوم يُثير الجدل ... تصرف غير أخلاقي يشعل غضب جماهير "الهلال"!وكان الفريق الطبي الذي قاد العملية العلاجية بإشراف الدكتور مناف الجشي، استشاري أمراض الكلى، الذي أوضح أن الفريق باشر على الفور بإجراء سلسلة واسعة من التحاليل المخبرية والفحوصات المتقدمة، شملت تحاليل دموية شاملة، فحوصات بول وبراز دقيقة، بالإضافة إلى خزعة كلوية ضرورية، مع التوسع في تحليل الجينات باستخدام تقنيات متقدمة لرصد الطفرات الجينية النادرة.
وأظهرت نتائج هذه الفحوصات إصابة المريض بمرض Atypical HUS، وهي متلازمة نادرة تصيب الجهاز المناعي وتؤدي إلى نشاط زائد في البروتينات المناعية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث التهابات في الأوعية الدقيقة داخل الكلى ويتسبب في مضاعفات خطيرة مثل الفشل الكلوي الحاد وفقر الدم الناتج عن تكسّر الخلايا الحمراء.
وعقب التشخيص المؤكد، وضع الفريق الطبي خطة علاجية متكاملة اعتمدت على استخدام علاج بيولوجي حديث يُعرف باسم Ravulizumab، وهو علاج يُستخدم لتثبيط البروتين المناعي المسبب للنشاط الزائد في الجهاز المناعي، حيث يعمل على إيقاف السلسلة الالتهابية في الجسم بشكل دقيق دون التأثير على باقي وظائف المناعة الطبيعية.
ومع بداية تطبيق هذا العلاج المتطور، بدأت علامات التحسن تظهر على المريض في غضون أيام قليلة، إذ استقرت حالته الحيوية وتحسن أداء الكلى تدريجيًا، وتمكنت الفرق التمريضية والطبية من متابعة تطور حالته لحظة بلحظة ضمن رعاية دقيقة ومكثفة لضمان عدم حدوث أي انتكاسات أو مضاعفات.
وبعد عدة أيام من الرعاية الصحية المستمرة، تمكّن المريض من تجاوز الأزمة الصحية بشكل ملحوظ، حيث تحسنت نتائج الفحوصات المعملية واختفت المؤشرات الخطرة من الدم، ليغادر المستشفى لاحقًا وهو في حالة صحية جيدة بعد أن تلقى علاجًا اعتُبر من التجارب النادرة والناجحة على هذا النوع من المتلازمات النادرة.
وتمثلت إحدى المفاجآت العلمية التي نتجت عن متابعة الحالة في اكتشاف طفرة جينية غير مسجلة عالميًا، تم التعرف عليها في أحد البروتينات المناعية المسؤولة عن تهيج الجهاز المناعي، مما يفتح الباب أمام أبحاث علمية جديدة لفهم مسببات هذا المرض النادر وتطوير علاجات جديدة له مستقبلاً.
وأكد الدكتور الجشي أن هذا الإنجاز لا يقتصر فقط على إنقاذ حياة مريض واحد، بل يشمل أيضًا بعدًا علميًا مهمًا يتمثل في اكتشاف طفرة جينية جديدة لم يتم توثيقها من قبل على المستوى الدولي، مما يشير إلى أن البيئة الطبية المحلية باتت مهيأة للمشاركة الفعلية في تطوير المعرفة الطبية العالمية.
واعتبر الدكتور الجشي أن ما تحقق يعد نقلة نوعية في مسار الطب التخصصي داخل المملكة، خاصة في مجال الأمراض النادرة التي تتطلب تشخيصًا عالي الدقة وتوافر علاجات متقدمة لم تكن متاحة في السابق، مشيرًا إلى أن استخدام العلاج البيولوجي الحديث مثل Ravulizumab في هذه الحالة يعكس مستوى التقدم الذي وصلت إليه المؤسسات الصحية في المملكة.
كما شدد على أهمية الاستثمار في تقنيات التحاليل الجينية والتوسع في تطبيقها، حيث تسهم في الكشف عن مسببات الأمراض الوراثية النادرة، وتساعد على توفير علاجات مخصصة لكل حالة على حدة، مؤكدًا أن هذا النهج يعد من أهم اتجاهات الطب الحديث المعتمد على مبدأ “الطب الشخصي”.
ويُعد مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالخبر من المراكز الصحية الرائدة التي تستثمر في التكنولوجيا الطبية والتخصصات الدقيقة، حيث ساهمت الإمكانيات المتقدمة التي يمتلكها في تمكين الأطباء من تقديم خدمات تشخيصية وعلاجية على مستوى عالمي، مما ساعد في إنقاذ حياة المريض في الوقت المناسب.
وتأتي هذه النجاحات في ظل رؤية المملكة الصحية التي تركز على تطوير الرعاية التخصصية وتوفير أحدث العلاجات العالمية داخل المملكة، مما يغني عن الحاجة للسفر إلى الخارج، ويدعم مكانة المملكة كمركز إقليمي متقدم في الرعاية الصحية والتقنية الطبية.
ويترقب المجتمع الطبي في المملكة نتائج البحث المتعلق بالطفرة الجينية التي تم اكتشافها، إذ من المتوقع أن تُسهم في تطوير فهم جديد لطبيعة هذا المرض النادر، كما ينتظر أن يتم توثيق هذا الاكتشاف في سجلات الأبحاث الجينية العالمية لإثراء قاعدة البيانات العلمية الخاصة بالأمراض المناعية.