في خطوة تنظيمية شاملة تهدف إلى وضع حد للعشوائية وضمان بيئة سكنية آمنة وصحية، أصدرت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان إطارًا تنظيميًا جديدًا، يضم 12 اشتراطًا صارمًا لجميع أشكال مساكن الأفراد الجماعية في المملكة.
وتأتي هذه اللائحة الجديدة، التي تشمل المباني السكنية والمجمعات والكبائن المتنقلة، في سياق سعي الوزارة الحثيث لضبط هذا القطاع الحيوي، ورفع مستوى امتثال المستثمرين، وتوفير بيئة خالية من المخاطر الصحية والأمنية، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 لتعزيز جودة الحياة.
إقرأ ايضاً:
اكتشف موسكو والرياض بسهولة مع رحلات ناس الجديدةالذكاء الاصطناعي يدخل الحقول .... مهندس سابق في تسلا يُطلق روبوتات تُدير المزارع بذكاء خارق!وأصبح حجر الزاوية في التنظيم الجديد هو نظام الترخيص المزدوج، حيث بات من الإلزامي على أي مستثمر الحصول على ترخيص إنشائي قبل البدء في بناء أي مشروع سكن جماعي، يليه ترخيص تشغيلي لا يمكن إصداره إلا بعد استيفاء كافة المتطلبات والتأكد من جاهزية الموقع.
ويشترط للحصول على الترخيص التشغيلي موافقة أساسية من المديرية العامة للدفاع المدني، بالإضافة إلى وجود سجل تجاري للمنشأة يتضمن بشكل صريح نشاط "السكن الجماعي للأفراد"، مما يضمن أن جميع المشغلين يعملون تحت مظلة نظامية واضحة.
وعلى الصعيد التخطيطي، ألزمت الوزارة أن تقام هذه المباني ضمن النطاق العمراني المعتمد، وفي مواقع تجارية أو مختلطة، مع مراعاة مسافة لا تقل عن 300 متر عن أقرب مدرسة أو مستشفى، وضرورة أن تقع على شوارع لا يقل عرضها عن 20 مترًا لتسهيل الحركة.
ولحل إحدى أكبر المشاكل المرتبطة بهذه المساكن، فرضت الاشتراطات توفير مواقف كافية للسيارات بنسبة موقف لكل 40 فردًا، بالإضافة إلى مواقف مخصصة لحافلات نقل جماعي تخدم نصف عدد السكان على الأقل، مع إلزام المجمعات الكبيرة بتقديم دراسة مرورية معتمدة.
ولم تغفل اللائحة الجانب البيئي والجمالي، حيث فرضت تشجير المساحات غير المبنية بمعدل شجرة لكل 100 متر مربع، مع اختيار أنواع لا تضر بالبنية التحتية، كما اشترطت في المجمعات السكنية ألا تقل نسبة المساحات المفتوحة عن 20% من إجمالي مساحة الموقع.
وداخل المباني، وضعت الوزارة معايير دقيقة لضمان الكرامة الإنسانية والبيئة الصحية، حيث نصت على ألا تقل المساحة المخصصة لكل فرد في غرف النوم عن أربعة أمتار مربعة، وبحد أقصى عشرة أفراد في الغرفة الواحدة، مع حظر الطبخ أو الغسيل داخلها منعًا باتًا.
كما ألزمت اللائحة بتوفير دورات مياه بمعدل مرفق صحي متكامل لكل ثمانية أشخاص، مع ضمان جودة التهوية والإضاءة الطبيعية والصناعية في كافة أنحاء المبنى، وتوفير مصلى في حال عدم وجود مسجد قريب من الموقع.
ومنحت الوزارة أولوية قصوى لمتطلبات السلامة، حيث شددت على ضرورة تطبيق كود البناء السعودي، وتوفير كاميرات مراقبة أمنية، وفصل تام بين سكن الرجال والنساء، بالإضافة إلى توفير أنظمة إنذار وإطفاء حرائق فعالة، ووجود خطة طوارئ معتمدة يتم تدريب الموظفين عليها بشكل دوري.
وعلى الصعيد التشغيلي، ألزمت اللائحة بوجود مشرف سعودي مسؤول في أي موقع تزيد طاقته الاستيعابية عن 20 فردًا، مع ضرورة الاحتفاظ بسجل محدث ببيانات جميع الساكنين وتأمينهم الطبي، لضمان سهولة الوصول إليهم عند الحاجة.
وحتى الكبائن المتنقلة، التي اعتبرتها الوزارة حلولًا مؤقتة مرتبطة بالمشاريع، لم تكن بمنأى عن التنظيم، حيث تم إخضاعها لاشتراطات صارمة تضمن تفكيكها بعد انتهاء المشروع، ومنع إقامتها في مجاري السيول أو المحميات الطبيعية، وإلزامها بكافة متطلبات الصحة والسلامة.
إن هذه المنظومة المتكاملة من الاشتراطات تهدف إلى إنهاء عصر المساكن العشوائية المكتظة التي كانت تشكل خطرًا أمنيًا وصحيًا، وتشوه المشهد الحضري، وتؤسس لمرحلة جديدة من السكن الجماعي المنظم والآمن الذي يحفظ كرامة ساكنيه.
وفي المحصلة، فإن هذه الخطوة الجريئة من وزارة البلديات والإسكان تمثل نقلة نوعية في إدارة المدن، وتؤكد على أن جودة حياة كل فرد يعيش على أرض المملكة، هي أولوية لا يمكن التهاون بها في مسيرة تحقيق أهداف رؤية 2030.