في الوقت الذي انشغل فيه العالم بتداعيات فيروس كورونا خلال عامي 2020 و2021، كانت هناك معضلة مناخية مزمنة تتصاعد في الظل دون أن تحظى بنفس القدر من الاهتمام، وهي العواصف الغبارية.
هذه الظاهرة، التي تضرب المنطقة العربية مرارًا وتكرارًا، لا تُحدث ضجيجًا سياسيًا أو إعلاميًا، لكنها تُكلف مليارات الريالات سنويًا.
أحسب، بل أجزم، أن فاتورة تأثير العواصف الغبارية خلال العقد الأخير تفوق بكثير جائحة كورونا، خاصة من الناحية الصحية.
- آلاف الأطنان من الأدوية المضادة للربو والحساسية تُستهلك سنويًا.
- ارتفاع زيارات قسم الطوارئ إبان موجات الغبار.
- تعطيل الدراسة وارتفاع نسب الغياب في المدارس والجامعات.
- تعثر في النقل الجوي والبري وتأجيل مئات الرحلات.
- تزايد الإجازات المرضية مما يضعف الإنتاجية.
أُقدر أن المنطقة شهدت أكثر من 80 موجة غبارية شديدة خلال العقد الأخير، بعضها استمر أيامًا وتسبب في شلل جزئي للمدن الكبرى.
ورغم أن جائحة كورونا كانت ضخمة وطارئة، إلا أن زمنها كان محدودًا (نحو سنتين)، وقد واجهتها الدول بخطط استثنائية طارئة ومنظمة، بينما العواصف الغبارية مستمرة، وأثرها تراكمي، وخطط مجابهتها ما زالت مشتتة.
كم سنخسر في العقود القادمة إن لم نضع خطة إقليمية وفعالة لمجابهة هذه الظاهرة؟
العواصف الغبارية ليست مجرد "طقس سيئ"، بل هي أزمة صحية واقتصادية وتنموية .. ومن لا يرى ذلك اليوم، قد يدفع الثمن مضاعفًا غدًا.
نحن بحاجة ماسة إلى استراتيجية عربية متكاملة: تشمل التشجير، الحد من التصحر، التنبيه المبكر، التوعية المجتمعية، وتوفير بيئة صحية في المنازل والمدارس وأماكن العمل. هذا استثمار في الإنسان، في الصحة، وفي المستقبل .. هذا والله أعلم.