تحركات سعودية فرنسية

نحو سلام دائم.. تحركات سعودية فرنسية لإحياء المسار السياسي

كتب بواسطة: رضا سمكي |

جددت المملكة العربية السعودية تأكيدها على أن الطريق نحو الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يمر حتماً عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، وجاء هذا الموقف خلال الاجتماع التحضيري للمؤتمر الدولي رفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، الذي يُعقد برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا، ويهدف إلى الدفع بمسار سياسي جاد يضع حدًا لمعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عقود.

وترأست وفد المملكة في هذا الاجتماع المستشارة في وزارة الخارجية السعودية، الدكتورة منال رضوان، التي ألقت كلمة افتتاحية شددت فيها على التزام السعودية الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وحرصها على استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأشارت إلى أن إنهاء الحرب والإفراج عن الرهائن والمحتجزين وضمان الأمن الشامل في المنطقة، لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن خطة سياسية موثوقة تعالج جذور الصراع، وترتكز على مبدأ حل الدولتين.

وأكدت الدكتورة رضوان أن هذا المؤتمر يمثل فرصة تاريخية لإحداث نقلة نوعية نحو سلام دائم وعادل، مشيرة إلى الشراكة الاستراتيجية بين المملكة وفرنسا، والجهود المبذولة لإطلاق عملية سلام تستند إلى قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، كما نوهت بالإصلاحات الإدارية والمالية التي أطلقتها القيادة الفلسطينية، ودعت المجتمع الدولي إلى دعم الحكومة الفلسطينية وتمكينها من النهوض بمسؤولياتها في إدارة شؤون الدولة المنشودة.

وتأتي هذه المبادرة في إطار التحركات السعودية المستمرة لحشد الدعم الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية، حيث تشدد الرياض على أهمية استعادة مسار التفاوض الذي جُمّد لسنوات، وضرورة وضع آليات تنفيذية تضمن التزام الأطراف المعنية بحل الدولتين، الذي لا يزال يحظى بإجماع دولي واسع رغم تعثره على أرض الواقع، كما تؤكد المملكة في كل مناسبة على التزامها بمبادرة السلام العربية التي أُطلقت في قمة بيروت عام 2002، والتي نصت على انسحاب كامل مقابل سلام شامل.

وفي خضم هذا الاجتماع، قدّمت 19 دولة ومنظمة من الجهات المشاركة في رئاسة مجموعات العمل المنبثقة عن المؤتمر، إحاطات موسعة عن التقدم الذي تحقق في إعداد المخرجات المتوقعة لكل مجموعة، والتي تغطي ملفات حساسة مثل الأمن، والاقتصاد، وبناء المؤسسات، وحقوق الإنسان، وملف القدس، واللاجئين، والمياه، والتعاون الإقليمي، ويعكس هذا التنوع في الملفات حجم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، ويؤكد في الوقت ذاته مدى الجدية في التعاطي مع مختلف أبعادها.

وحظيت المملكة وفرنسا بإشادة واضحة من قبل المشاركين، الذين أكدوا دعمهم الكامل لجهودهما الرامية إلى إنجاح هذا المؤتمر، والمقرر عقده رسميًا في الفترة من 17 إلى 20 يونيو 2025، كما أثنت الوفود المشاركة على ما وصفوه بالتنسيق البناء والعمل الجاد الذي تبذله فرق العمل، مؤكدين أنهم سيشاركون بمقترحات عملية تسهم في بلورة خطة قابلة للتنفيذ تعالج المسائل العالقة وتحفّز العودة إلى المفاوضات.

وكانت السيدة روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، حاضرة في الاجتماع، وأكدت في مداخلتها أن المجتمع الدولي مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحمّل مسؤولياته، والانتقال من مرحلة البيانات إلى العمل الملموس على الأرض، وأشارت إلى أن الوضع الإنساني المتفاقم في الأراضي الفلسطينية يتطلب تحركًا سريعًا لتوفير أفق سياسي يعيد الأمل للشعب الفلسطيني.

وتسعى السعودية، من خلال قيادتها لهذا المسار السياسي، إلى إعادة صياغة مقاربة دولية أكثر شمولية وإنصافًا، تضمن للفلسطينيين حقوقهم، وتحقق لإسرائيل الأمن في إطار التسوية السلمية، بعيدًا عن الحلول الأحادية وفرض الوقائع بالقوة، ومن شأن نجاح هذا المؤتمر أن يعيد الحيوية للعمل الدبلوماسي في المنطقة، ويضع حدًا للتصعيدات المتكررة التي يدفع المدنيون ثمنها، سواء في غزة أو الضفة أو داخل الخط الأخضر.

ويُنظر إلى المؤتمر المزمع عقده في يونيو المقبل على أنه فرصة حقيقية لكسر الجمود السياسي، وإطلاق مبادرة جماعية تفتح الباب أمام حل شامل يعالج القضايا الجوهرية بجرأة ومسؤولية، ويؤسس لسلام دائم وعادل يعيد للفلسطينيين كرامتهم، ويحقق حلمهم المشروع في دولة مستقلة ذات سيادة.