أثار قرار وزارة التربية والتعليم في مصر بشأن امتحانات "اللغة الأجنبية الثانية" لطلاب الثانوية العامة، موجة من الغضب والجدل داخل الأوساط التعليمية وبين أولياء الأمور والطلاب، بعد إعلان إلغاء الأسئلة المقالية والاعتماد فقط على أسئلة الاختيار من متعدد، مع استبعاد المادة من المجموع الكلي للدرجات, وبينما تبرر الوزارة خطوتها بأنها تهدف إلى التخفيف عن كاهل الطالب، يرى المعلمون أن هذا القرار يهمّش اللغة الثانية ويُفقدها قيمتها التعليمية.
القرار الذي جاء مفاجئًا للكثيرين، تم الإعلان عنه في بيان رسمي صادر عن الوزارة، أكدت فيه أن اللغة الأجنبية الثانية ستبقى مادة نجاح ورسوب، لكنها لن تُضاف للمجموع، كما أن أسئلتها ستكون كلها من نوع "البابل شيت" لاختصار وقت التصحيح وتحقيق العدالة من خلال التصحيح الإلكتروني الكامل, ولكن هذا التبرير لم ينجح في تهدئة حالة الاحتقان التي اشتعلت بين المعلمين، وخصوصًا المتخصصين في تدريس اللغات الفرنسية، الألمانية، والإيطالية، والذين اعتبروا القرار بمثابة "طعنة في ظهر التعليم متعدد اللغات".
معلمو اللغة الألمانية على وجه الخصوص كانوا في طليعة المحتجين، إذ أعرب الكثير منهم عن خيبة أملهم من إلغاء الأسئلة المقالية، والتي تُعد في نظرهم وسيلة لقياس مهارات التعبير والفهم الحقيقي للغة، لا مجرد الحفظ أو التخمين, وقال أحد المعلمين في تصريحات صحفية: "هذا القرار يُقلص دورنا كمربين ويجعل من تدريس اللغة مجرد نشاط شكلي، ولن نجد حافزًا لدى الطالب للاجتهاد إن لم يكن للمادة تأثير على مجموعه النهائي".
وقد امتدت تداعيات القرار إلى أولياء الأمور، الذين عبروا عن قلقهم من أن يؤدي إلغاء الأسئلة المقالية إلى ضعف مستوى الطلاب في اللغات الثانية، لا سيما في وقت تزداد فيه الحاجة إلى إتقان أكثر من لغة في سوق العمل, بعضهم رأى في القرار إضعافًا للقيمة الأكاديمية للمادة، خصوصًا وأن الدول المتقدمة تعطي أولوية للتعدد اللغوي، لا تُهمشه.
في المقابل، خرج بعض المسؤولين في الوزارة للتأكيد على أن القرار ليس تقليلًا من شأن اللغات الثانية، بل تنظيمًا للعملية التعليمية ضمن رؤية تطوير التعليم الثانوي, وأوضح أحد مسؤولي التعليم أن الوزارة بصدد تطوير مناهج هذه اللغات لتكون أكثر توافقًا مع متطلبات العصر وسوق العمل، مع الإبقاء على اللغة كجزء من المنهج الإجباري، وإن لم تدخل في المجموع.
ورغم هذه التبريرات، يرى مراقبون أن القرار يندرج ضمن سلسلة من التغييرات التي تسعى الوزارة من خلالها لتخفيف الضغط عن الطلاب وتقليص عدد المواد المؤثرة في التنسيق الجامعي، إلا أن ذلك لا يجب أن يتم على حساب المواد الثقافية واللغوية التي تمثل نافذة الطالب نحو العالم.
كما أثار القرار تساؤلات حقيقية حول مستقبل معلمي هذه المواد، حيث عبر البعض عن خشيتهم من تقليص حصصهم أو تحويلهم إلى أعمال إدارية مستقبلًا، خاصة في ظل سياسة الوزارة بتقليل أعداد المعلمين المعينين والاكتفاء بالاحتياجات الأساسية.
ومع اقتراب ماراثون الامتحانات، يظل الطلاب في حالة ترقب وارتباك، بينما لا تزال المطالبات بإعادة النظر في القرار تتوالى، سواء من قبل نقابات المعلمين أو منظمات المجتمع المدني التي ترى أن هذا القرار قد يؤثر سلبًا على جودة التعليم ويقود إلى نوع من التراجع في مستوى الطلاب اللغوي والثقافي.
وفي ظل هذه الضغوط، لم يصدر حتى الآن أي مؤشر من وزارة التعليم بشأن نية للتراجع أو تعديل القرار، ما يزيد من تعقيد المشهد، ويجعل من العام الدراسي الحالي مرحلة اختبار حقيقية لقدرة النظام التعليمي المصري على تحقيق التوازن بين التطوير والتقييم العادل، وبين تخفيف العبء وضمان