في خطوة استراتيجية تعكس طموحات المملكة العربية السعودية في التحوّل الصناعي والتنموي، عقد معالي وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر بن إبراهيم الخريف اجتماعًا رفيع المستوى في مدينة تولوز الفرنسية، مع الرئيس التنفيذي لشركة "إيرباص" التجارية كريستيان شيرير، إلى جانب عدد من قادة الشركة في مجالي الطيران التجاري وصناعة الأقمار الصناعية، الاجتماع لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي بل مثّل لحظة محورية في بناء شراكة نوعية بين المملكة وإحدى أكبر شركات الطيران في العالم، حيث تمت مناقشة فرص التعاون في مجال تصنيع الطائرات وصيانتها داخل المملكة، بما يعزز من توطين هذه الصناعة الحيوية ويضع السعودية على خريطة القوى العالمية في هذا القطاع.
الخريف شدد خلال اللقاء على عمق الشراكة التي تربط المملكة بشركة "إيرباص" منذ قرابة أربعة عقود واصفًا هذه العلاقة بأنها ليست مجرد تعاون تجاري بل ركيزة أساسية لتطوير صناعة الطيران في المملكة، وذلك في إطار رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة الوطنية، الوزير أشار إلى أن توطين صناعة الطيران يعد أولوية ضمن الإستراتيجية الوطنية للصناعة، حيث تسعى المملكة إلى خلق بيئة صناعية متقدمة تدعم الابتكار وتكامل سلاسل الإمداد.
في عرض لافت لما توفره المملكة من ممكنات لجذب الاستثمارات الأجنبية، تحدث الخريف عن الحوافز النوعية التي تقدمها السعودية لشركات الطيران العالمية مثل "إيرباص"، موضحًا أن هذه الحوافز تشمل تسهيلات حكومية مرنة وسرعة في إصدار التراخيص، إضافة إلى بنية تحتية حديثة وشبكات لوجستية متقدمة، وموارد طبيعية غنية بالمعادن المهمة لصناعة الطيران مثل الألومنيوم والتيتانيوم، ولم يغفل الخريف الإشارة إلى الموقع الجغرافي الإستراتيجي للمملكة، الذي يجعل منها بوابة مثالية لربط قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا، وهو ما يعزز من جدوى الاستثمار الصناعي فيها.
الرئيس التنفيذي لشركة "إيرباص" لم يُخفِ إعجابه برؤية المملكة 2030 مؤكدًا أن السعودية تُعد شريكًا إستراتيجيًا للشركة في الشرق الأوسط، وأبدى التزام "إيرباص" بتعزيز علاقتها بالمملكة عبر نقل المعرفة وتبادل الخبرات، وتوسيع دائرة التعاون في مجال التقنيات الحديثة، لا سيما في قطاع الطيران والأقمار الصناعية، هذا التصريح يعكس رغبة جادة من الشركة في المساهمة بفعالية في مسيرة التحول الاقتصادي السعودي، وهو ما يُضفي على الاجتماع طابعًا عمليًا وليس فقط استشرافيًا.
الزيارة الرسمية شملت أيضًا جولة موسعة في المصنع الرئيسي لشركة "إيرباص" ومنشآتها المختلفة، حيث اطلع الوفد السعودي على خطوط التجميع المتطورة، والعمليات التصنيعية الحديثة التي تعتمدها الشركة في إنتاج طائراتها المتقدمة، كما تضمنت الجولة زيارة منشآت صناعة الأقمار الصناعية، حيث تم استعراض أحدث الابتكارات في هذا المجال، بما في ذلك تقنيات الاتصالات الفضائية التي تعزز من الأمن العالمي وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون المشترك.
من اللافت في هذه الزيارة هو الحضور النوعي للوفد السعودي، والذي ضم كلاً من الرئيس التنفيذي لهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية عبدالرحمن السماري، والرئيس التنفيذي للمركز الوطني للتنمية الصناعية المهندس صالح السلمي، ما يعكس الجدية السعودية في تحريك ملفات التوطين الصناعي من أعلى المستويات.
كما أن الاجتماع تزامن مع إعلان نوايا بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية ووزارة الاقتصاد والمالية والصناعة الفرنسية، لتعزيز التعاون في مجال المعادن الحرجة، ما يشير إلى توجه شامل واستراتيجي لبناء اقتصاد صناعي قوي ومستدام، يشمل ليس فقط قطاع الطيران بل يمتد إلى قطاعات متعددة تضمن تنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المتوازنة.
هذه الزيارة ليست مجرد خطوة دبلوماسية أو اقتصادية، بل تمثل لبنة جديدة في بناء قاعدة صناعية سعودية متطورة قادرة على المنافسة عالميًا، وتعكس تصميم المملكة على أن تكون لاعبًا رئيسيًا في صناعات المستقبل، وفي مقدمتها صناعة الطيران والفضاء، ومع هذا الحراك الديناميكي، تبدو المملكة أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لاحتضان الاستثمارات الكبرى، وقيادة تحول صناعي حقيقي يدفع بالاقتصاد الوطني نحو آفاق أرحب من النمو والازدهار.