أجرت دولة الكويت تعديلات قانونية لافتة على أحكام هيئة مكافحة الفساد، بهدف تعزيز نزاهة العمل العام وضمان حماية المبلغين وتوسيع نطاق محاسبة المسؤولين، وشملت التعديلات الجديدة جملة من البنود التي من شأنها تدعيم البنية التشريعية والرقابية لمكافحة الفساد في البلاد، حيث شددت التعديلات على سرية بيانات المبلغين عن الفساد وعدم جواز الإفصاح عنها إلا في حالات محددة تضمنها القانون.
ومن أبرز ما ورد في التعديلات هو حظر الإفصاح عن هوية المبلغ في قضايا الفساد، حمايةً له من أي تبعات قانونية أو اجتماعية، على أن يُستثنى من ذلك جهات التحقيق المختصة، وذلك فقط في حال طلبها البيانات رسمياً، أو في حال موافقة المبلغ كتابياً، ويعكس هذا التوجه حرص المشرّع الكويتي على تعزيز ثقافة التبليغ الطوعي عن الفساد، في ظل بيئة قانونية تضمن السرية وتحصّن المبلغين من أي شكل من أشكال الانتقام أو الضغط.
إقرأ ايضاً:ترامب يفرض حظر سفر.. ماذا عن مشجعي الدول المستهدفة في المونديال؟رغم الرسوم الجمركية المرتفعة.. الشركات الأميركية تتمسك بسوق الصين
كما أتاحت التعديلات الجديدة لهيئة مكافحة الفساد قبول إقرارات الذمة المالية بصيغة إلكترونية، ما يمثل نقلة نوعية نحو التحول الرقمي وتسهيل الإجراءات على المشمولين بأحكام القانون، ويُنتظر أن تُسهم هذه الخطوة في تسريع وتيرة العمل داخل الهيئة وتبسيط سبل التقديم، مع المحافظة على متطلبات الشفافية والمصداقية التي تستلزمها مثل هذه الإقرارات.
ومن باب تعزيز المرونة القانونية، سمحت التعديلات أيضاً بإمكانية قبول الصلح في قضايا التأخير عن تقديم إقرارات الذمة المالية، بشرط أن يبادر المعني بالأمر إلى تقديم الإقرار خلال المهلة المحددة وسداد المبلغ المطلوب، ويُعد هذا الإجراء خطوة عملية نحو تحقيق العدالة الناجزة، إذ يمنح الفرصة لتدارك المخالفات غير الجسيمة دون الإخلال بروح القانون أو التغاضي عن الانضباط المالي للمسؤولين.
وفي توسعة لمظلة القضايا التي تخضع لاختصاص الهيئة، تم إدراج الجمعيات التعاونية ضمن نطاق جرائم الفساد المشمولة بالقانون، وتُعتبر هذه الإضافة خطوة استراتيجية هامة، كون الجمعيات التعاونية تُعد من الأذرع الاقتصادية الحيوية في المجتمع الكويتي، وقد شهدت في فترات سابقة شبهات فساد متعددة أثارت الرأي العام.
ومن جهة أخرى، أعطت التعديلات الجديدة النيابة العامة اختصاصاً حصرياً في التحقيق والتصرف والادعاء في القضايا التي تتعلق بموظفي هيئة مكافحة الفساد أثناء أدائهم لوظائفهم أو بسببها، ويضمن هذا الإجراء استقلالية التحقيق ويحول دون تضارب المصالح، في حين ألزم القانون الجديد إخطار مجلس إدارة الهيئة بمواعيد التحقيق والإجراءات المتخذة، تعزيزاً لمبدأ الشفافية.
أما على صعيد البنية الإدارية للهيئة، فقد أوجبت التعديلات استحداث مجلس إدارة جديد يتكون من خمسة أعضاء، بينهم الرئيس ونائبه، وثلاثة أعضاء متفرغين، وتُظهر هذه الخطوة توجهاً نحو ترسيخ الحوكمة المؤسسية وضمان كفاءة الأداء الإداري، من خلال وجود كيان رقابي داخلي يتابع سير العمل ويشرف على تنفيذ مهام الهيئة.
بصورة عامة، تؤكد هذه التعديلات النهج الإصلاحي الذي تتبناه الكويت في مواجهة قضايا الفساد، من خلال تطوير التشريعات بما يتوافق مع المعايير الدولية، وضمان بيئة قانونية أكثر صرامة وشفافية، كما تعكس التعديلات حرص الدولة على حماية المال العام، وتكريس مبدأ المحاسبة، ومواكبة التطورات التكنولوجية في الإجراءات الرقابية.