تُواصل شركة الخطوط الحديدية السعودية "سار" تنفيذ خطتها التشغيلية لموسم حج عام 1446هـ، في إطار سعيها لتوفير أفضل وسائل النقل لضيوف الرحمن وتسهيل رحلتهم بين المدن المقدسة، وتعتمد الخطة على تشغيل قطار الحرمين السريع، أحد أسرع القطارات في العالم، الذي تصل سرعته إلى 300 كيلومتر في الساعة، بما يضعه في مصاف وسائل النقل الحديثة المخصصة للحشود الكبيرة في أوقات الذروة، كأحد أعمدة منظومة النقل الوطنية الذكية.
وقد خصصت "سار" أكثر من 4700 رحلة مجدولة خلال موسم الحج الحالي، ما يوفر أكثر من مليوني مقعد للحجاج، بزيادة تتجاوز 400 ألف مقعد عن العام الماضي، وتأتي هذه الزيادة لتعكس حرص الشركة على تطوير خدماتها بشكل مستمر، والاستجابة للطلب المتنامي على النقل بالقطار بين المدن المقدسة، خصوصًا في ظل التجربة الإيجابية التي قدمها قطار الحرمين في المواسم السابقة.
ويُعد قطار الحرمين السريع مشروعًا استراتيجيًا يعزز من مكانة المملكة في مجال النقل العام المتكامل، إذ يمتد على خط حديدي كهربائي بطول 453 كيلومترًا، يربط بين خمس محطات رئيسية: مكة المكرمة، جدة (المحطة المركزية)، مطار الملك عبدالعزيز الدولي، مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، والمدينة المنورة، وتتميز كل محطة بتصميم معماري متطور وتجهيزات عالية الكفاءة لتيسير حركة المسافرين.
ومن أبرز المحطات في هذا الخط الحيوي، محطة قطار الحرمين الواقعة داخل مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، التي تُعد الأكبر عالميًا من حيث الارتباط المباشر بمطار دولي، وهذا التكامل الفريد بين النقل الجوي والسككي يتيح للمسافرين الانتقال بسلاسة من الطائرات إلى القطارات دون الحاجة إلى مغادرة المطار، ما يسهم في اختصار الوقت وتخفيف الأعباء اللوجستية على الحجاج.
وفي تصريح لوكالة الأنباء السعودية "واس"، أوضح المتحدث الرسمي لشركة "سار"، خالد الفرحان، أن الشركة رفعت عدد الرحلات تدريجيًا خلال الموسم لتصل إلى أكثر من 100 رحلة يوميًا، تُرفع إلى 140 رحلة خلال أوقات الذروة، وتصل رحلات القطار إلى محطة مكة بمعدل رحلة كل 25 دقيقة، ما يسهم في تفويج الحجاج بسهولة ويقلل الاعتماد على الطرق البرية المكتظة في هذه الفترة الحساسة.
يتكون أسطول قطار الحرمين من 35 قطارًا كهربائيًا حديثًا، يتسع كل منها لـ417 راكبًا، مع تخصيص مقاعد لذوي الإعاقة تتيح لهم استخدام الكرسي المتحرك دون الحاجة إلى تغيير المقعد، وتستغرق الرحلة الكاملة من مكة إلى المدينة قرابة ساعتين، بينما تصل المدة بين المطار ومكة إلى 55 دقيقة، وما بين جدة ومكة 30 دقيقة، ما يبرز كفاءة هذا النظام في تقليص زمن الرحلة وتحقيق الراحة للمسافرين.
ويمثل القطار نموذجًا رائدًا في النقل المستدام، إذ يعمل بالطاقة الكهربائية ويخلو من الانبعاثات الكربونية، ما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في مجالات الاستدامة والبيئة، كما يخفف من الضغط على شبكات الطرق والمطارات الداخلية، ويوفر خيارًا عمليًا وآمنًا للحجاج والزوار في تنقلاتهم بين المواقع المقدسة والمراكز الحضرية.
ومن بين المبادرات النوعية التي تطبقها "سار" بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة، مبادرة "حاج بلا حقيبة"، التي تُنفذ للعام الثاني على التوالي، وتُتيح هذه المبادرة نقل أمتعة الحاج من مطار بلده مباشرة إلى مقر سكنه في مكة، فيما ينتقل هو بعد وصوله إلى المملكة عبر قطار الحرمين، دون الحاجة لحمل الحقائب أو التنقل بين وسائل نقل متعددة، وهو ما يُسهم في تحسين تجربة الحج بشكل ملموس.
يمثل قطار الحرمين السريع ترجمة عملية لرؤية المملكة في بناء منظومة نقل حديثة، تخدم الإنسان وتُراعي البيئة، وتعزز التكامل بين وسائل النقل المختلفة، وهو ليس فقط وسيلة نقل، بل مشروع وطني شامل يعكس التقدم الهندسي والتقني الذي حققته المملكة، ويُرسخ التزامها بتوفير أفضل الخدمات لضيوف الرحمن عامًا بعد عام.