في خطوة استراتيجية تعكس التحولات المتسارعة التي تشهدها العاصمة السعودية، وتجسيدًا حيًا لمستهدفات التطوير الحضري، أعلنت هيئة النقل العام في مدينة الرياض عن إطلاق مبادرة نوعية من شأنها أن تعيد تشكيل مفهوم التنقل اليومي لملايين السكان والزوار، تمثلت هذه المبادرة في توفير خدمة تأجير السكوترات الكهربائية في عدد من المحطات الحيوية على مسار قطار الرياض، مقدمةً بذلك حلاً مبتكرًا وعصريًا لما يُعرف بـ "تحدي الميل الأخير"، الذي لطالما شكل عائقًا أمام التكامل الكامل لشبكات النقل العام في المدن الكبرى حول العالم، هذه الإضافة لا تمثل مجرد خدمة جديدة، بل هي بمثابة إعلان عن دخول الرياض حقبة جديدة من التنقل المرن والمستدام الذي يضع راحة الفرد والاستدامة البيئية في مقدمة أولوياته.
وتأتي هذه المبادرة كجزء لا يتجزأ من رؤية أوسع تهدف إلى نسج شبكة متكاملة من حلول التنقل الذكي، حيث تتضافر جهود القطار كوسيلة نقل جماعية عالية الكفاءة مع السكوتر الكهربائي كوسيلة نقل فردية سريعة وصديقة للبيئة، إن الهدف الأسمى يتجاوز مجرد تسهيل الوصول من وإلى محطات القطار، ليصل إلى تشجيع ثقافة جديدة في التنقل الحضري، تقلل من الاعتماد على المركبات الخاصة وما يترتب عليها من اختناقات مرورية وتلوث بيئي، وتدعم في المقابل أسلوب حياة أكثر نشاطًا وصحة، يتناغم مع التوجهات العالمية نحو بناء مدن مستقبلية محورها الإنسان.
إقرأ ايضاً:رحيل نونيز: ليفربول في مأزق مالي بسبب رفض اللاعب الانتقال للسعوديةاستعد للدهشة.. الرياض على موعد مع تحفة عمرانية بارتفاع كيلومترين!
وقد تم اختيار مواقع نشر السكوترات بعناية فائقة لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة، حيث تركزت في محطات تشهد كثافة ركاب عالية وتخدم مناطق حيوية ومتنوعة، شملت قائمة المحطات الأولية كلاً من محطة الدكتور سليمان الحبيب، ومحطة المروج، ومحطة حي الملك فهد، ومحطة الورود، ومحطة العروبة، بالإضافة إلى محطات تخدم قطاعات مالية وحكومية هامة مثل محطة مصرف الإنماء، ومحطة بنك البلاد، ومحطة مكتبة الملك فهد الوطنية، ومحطة وزارة الداخلية، ولتعزيز سهولة الوصول، تم توزيع أساطيل السكوترات على مختلف مخارج هذه المحطات، مما يتيح للراكب فور خروجه من بوابة المحطة أن يجد وسيلة نقل سريعة بانتظاره لإكمال رحلته إلى وجهته النهائية بكل يسر وسهولة.
ولضمان سلامة جميع مستخدمي شبكة النقل العام، وضعت هيئة النقل ضوابط واضحة لاستخدام هذه الخدمة الجديدة، حيث شددت بشكل قاطع على منع اصطحاب السكوترات الكهربائية إلى داخل عربات القطار أو حتى إلى أرصفة الانتظار، ويأتي هذا القرار الحاسم بهدف الحفاظ على انسيابية حركة الركاب داخل المحطات والعربات، وتجنب أي مخاطر محتملة قد تنجم عن وجود هذه المركبات في أماكن مغلقة ومزدحمة، وبدلاً من ذلك، دعت الهيئة الركاب إلى الاستفادة من السكوترات كوسيلة تنقل فعالة للرحلات القصيرة في محيط المحطات، سواء كان ذلك للوصول من المنزل إلى المحطة، أو من المحطة إلى مقر العمل، مما يجعلها الخيار العملي الأمثل للربط بين شبكة القطار والوجهات النهائية.
إن دمج السكوترات الكهربائية في منظومة النقل العام بالرياض يمثل تطبيقًا عمليًا لمبادئ المدن الذكية التي تسعى المملكة إلى تحقيقها ضمن مستهدفات رؤية 2030، فهذه الخدمة لا تعزز فقط من كفاءة الشبكة، بل تساهم أيضًا في جمع بيانات حيوية حول أنماط حركة السكان، والتي يمكن استخدامها مستقبلاً في تحسين التخطيط الحضري وتوزيع الخدمات بشكل أكثر دقة وفعالية، إنها خطوة نحو نظام نقل يعتمد على البيانات، ويتسم بالمرونة الكافية للاستجابة للاحتياجات المتغيرة لسكان مدينة بحجم وديناميكية الرياض.
وعلى الصعيد البيئي، تحمل هذه المبادرة في طياتها أبعادًا إيجابية بالغة الأهمية، فكل رحلة تتم عبر سكوتر كهربائي بدلاً من سيارة خاصة هي بمثابة مساهمة مباشرة في تقليل البصمة الكربونية للمدينة، تساهم هذه المركبات الخفيفة في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وتقليل التلوث السمعي، وتخفيف الضغط على البنية التحتية للطرق ومواقف السيارات، ومع التوسع المتوقع في استخدامها، يمكن أن تلعب السكوترات دورًا ملموسًا في تحسين جودة الهواء وتعزيز الصحة العامة، مما يجعل الرياض مدينة أكثر ملاءمة للعيش وأكثر استدامة للأجيال القادمة.
ومن المتوقع أن تلقى هذه الخدمة ترحيبًا واسعًا من مختلف شرائح المجتمع، خاصة فئة الشباب والمهنيين الذين يبحثون دائمًا عن حلول سريعة وعصرية تتناسب مع نمط حياتهم المتسارع، كما أنها تقدم خيارًا جذابًا للسياح والزوار، تتيح لهم استكشاف معالم المدينة والتنقل بين أحيائها المختلفة بحرية ومرونة أكبر، إن سهولة الاستخدام، التي غالبًا ما تعتمد على تطبيقات الهواتف الذكية لفتح السكوتر والدفع، تجعلها تقنية في متناول الجميع، وتزيل الحواجز التي قد تواجه البعض مع وسائل النقل التقليدية.
في المحصلة النهائية، لا يمكن النظر إلى مبادرة توفير السكوترات الكهربائية على أنها مجرد إضافة خدمية، بل هي جزء من فلسفة متكاملة تتبناها هيئة النقل العام لتطوير شبكة المواصلات في الرياض، هذه الفلسفة تقوم على التكامل والمرونة والراحة والاستدامة، وتهدف إلى رفع مستوى جودة الحياة في العاصمة من خلال توفير خيارات نقل متنوعة وموثوقة تلبي تطلعات السكان، ومع استمرار تطور شبكة قطار الرياض وتوسعها، من المرجح أن نشهد انتشارًا أوسع لهذه الحلول المبتكرة، لترسخ مكانة الرياض كنموذج رائد في مجال النقل الحضري المستدام على مستوى المنطقة والعالم.