مع بدء موسم حصاد ثمار الكعك في عدد من مناطق المملكة، بدأ المزارعون يرفعون مستوى التأهب لمواجهة واحدة من أخطر التهديدات التي تطارد هذه الشجرة الصحراوية المعروفة بصمودها في وجه الظروف البيئية القاسية، ألا وهي "ذبابة الفاكهة"، فبينما تشكل شجرة الكعك مصدر دخل موسمي مهم للكثير من المزارعين، تقف هذه الآفة كعقبة سنوية تهدد سلامة الثمار وجودتها، ما يحتم استجابة فورية تعتمد على العلم والخبرة في آنٍ معًا.
وفي هذا السياق، حذر مدير إدارة الزراعة بفرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة الشرقية، المهندس وليد الشويرد، من المخاطر التي تُمثلها ذبابة الفاكهة، مؤكدًا أنها تمثل التحدي الأكبر في جهود المكافحة الزراعية المرتبطة بشجرة الكعك، وأوضح أن هذه الآفة قادرة على إحداث أضرار جسيمة في المحاصيل، من خلال وضع بيوضها داخل الثمار الناضجة، ما يؤدي إلى فسادها وفقدانها لقيمتها السوقية والغذائية على حد سواء.
إقرأ ايضاً:ما بعد التدشين: هل تشهد خطوط جدة-دمشق توسعًا في 2026؟رحلة خاصة لكبار السن لم تتحدث عنها وسائل الإعلام
وأشار الشويرد إلى أن التعامل مع هذه الآفة يتطلب اتباع استراتيجيات وقائية مستمرة، تبدأ قبل بدء الموسم بفترة، ولا تقتصر فقط على مراحل الحصاد، ولفت إلى أهمية التوعية الميدانية للمزارعين، وتزويدهم بالإرشادات المناسبة حول كيفية الكشف المبكر عن الإصابات واستخدام المصائد الذكية والفعالة للحد من انتشار الحشرة، كما شدد على أن الذبابة قادرة على الانتشار السريع في حال لم تُواجه بأساليب علمية مدروسة.
وفي ظل تصاعد التهديد، بدأ عدد من الخبراء الزراعيين بالدعوة إلى اعتماد وسائل مكافحة عضوية وصديقة للبيئة، خصوصًا في ظل التوجه المتنامي نحو الزراعة المستدامة والنظيفة في المملكة، وأوصوا باستخدام المصائد الفيرمونية واللاصقة، إلى جانب التسميد العضوي المدروس، كوسائل فعالة للحد من انتشار الذبابة دون الإضرار بالنظام البيئي المحلي أو المستهلكين.
ويُعَد موسم الكعك من أبرز الفترات الزراعية في العام، إذ تُسهم هذه الثمرة في دعم الاقتصاد المحلي للمزارعين، إلى جانب مكانتها التراثية والغذائية المميزة في المجتمع السعودي، لا سيما في المناطق الصحراوية وشبه الجافة، وتُعرف شجرة الكعك بقدرتها الكبيرة على التأقلم مع التربة الرملية والظروف المناخية القاسية، لكنها تبقى ضعيفة أمام هجمات هذه الذبابة التي تتطلب تدخلًا دقيقًا ومدروسًا.
من جهتهم، أبدى عدد من المزارعين تخوفهم من تكرار سيناريوهات سابقة خسروا خلالها جزءًا كبيرًا من محاصيلهم بسبب تأخر إجراءات المكافحة، داعين إلى توفير الدعم الفني والمادي اللازم لهم في الوقت المناسب، كما طالبوا بزيادة الحملات الإرشادية والزيارات الميدانية من قبل الفرق الزراعية المختصة، لضمان الكشف المبكر عن أي إصابات، وتفعيل أدوات الاستجابة السريعة.
ويُشار إلى أن وزارة البيئة والمياه والزراعة كانت قد أطلقت في مواسم سابقة عددًا من المبادرات التوعوية والميدانية، من خلال توزيع المصائد البيئية مجانًا، وتنظيم ورش تدريبية للمزارعين، وهو ما ساهم إلى حدٍّ ما في تقليل نسبة الخسائر، غير أن الخبراء يشددون على أن استمرار هذا النجاح مرهون بالاستعداد المبكر، وتكاتف الجهود بين الجهات المختصة والمزارعين أنفسهم.
وفي ضوء تزايد تأثير التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، حذّر الباحثون من إمكانية اتساع نطاق انتشار ذبابة الفاكهة مستقبلًا، لتشمل مناطق لم تكن من قبل بيئةً مناسبة لها، الأمر الذي يجعل من تعزيز تقنيات الرصد والمكافحة الذكية ضرورة حتمية لضمان استدامة هذا المورد الزراعي الحيوي، والحفاظ على ثمار الكعك كمنتج وطني يرتبط بالهوية البيئية والغذائية للمملكة.