تقنيات السبعينات

"لم أستطع تمييز القطع".. أغرب عذر من "شات جي بي تي" بعد هزيمته الساحقة في الشطرنج

كتب بواسطة: رانية كريم |

رغم الهيمنة الرقمية التي حققها شات جي بي تي في مجالات عدة، إلا أن اختبارًا طريفًا كشف عن جانب من محدودياته حين تعرّض لهزيمة ساحقة في لعبة الشطرنج أمام محرك قديم يعود إلى حقبة السبعينيات، هذا التحدي لم يتم على طاولة عصرية، بل عبر محاكاة لعبة "Video Chess" لجهاز "Atari 2600"، التي يعود إصدارها إلى عام 1979 الفكرة جاءت من أحد مطوري البرمجيات الذي أراد وضع روبوت المحادثة الأكثر شهرة في العالم أمام اختبار من الماضي، بهدف استكشاف قدراته المنطقية والاستراتيجية، لم يكن التحدي بسيطًا لكنه كان محمّلًا بالرمزية، فبينما تتطلع OpenAI إلى تطوير ذكاء اصطناعي عام، جاءت النتيجة هذه المرة لصالح التكنولوجيا الكلاسيكية.

المثير أن اللعبة التي واجهها شات جي بي تي تعمل على منصة "أتاري 2600"، وهو نظام ألعاب فيديو صدر قبل نحو خمسة عقود، وبالرغم من قدم التقنية، فإنها كانت كافية لهزيمة نموذج لغوي حديث يعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي التوليدي تفاصيل المواجهة كشفت أن شات جي بي تي ارتكب أخطاءً بدائية، فحسب تقرير نشره موقع "PCMag"، فقد خلط بين قطع الشطرنج، مثل الطابية والفيل، وأخفق في اكتشاف الهجمات الثنائية للبيادق، بل إنه نسي مواقع بعض القطع خلال مجريات اللعب.
إقرأ ايضاً:ما لا تعرفه عن أمعائك: كيف يؤثر طعامك على صحتك النفسية والجسدية؟ميزة صغيرة تنهي معاناة طويلة لمستخدمي آيفون حول العالم

وبرّر شات جي بي تي هذه الأخطاء بإلقاء اللوم على التصميم البصري المُبكسل لأيقونات القطع في لعبة أتاري، قائلاً إن صعوبة التمييز بينها أثرت على قراراته، لكن حتى بعد تحويل اللعبة إلى تدوين شطرنجي قياسي يُستخدم عادةً لتوثيق النقلات، لم يطرأ تحسن ملحوظ على أدائه ورغم أنه أبدى رغبة في إعادة المحاولة، مع وعدٍ بتقديم أداء أفضل في المرة التالية، إلا أنه استسلم بعد نحو ساعة ونصف من اللعب، اللافت أن الاقتراح بإجراء هذا التحدي جاء أصلاً من شات جي بي تي نفسه أثناء حوار مع المطور الذي أجرى التجربة.

ما حدث لا يعني أن شات جي بي تي غير قادر على لعب الشطرنج كليًا، بل يُبرز حقيقة بنيته الأساسية، فهو نموذج لغوي بالدرجة الأولى، وليس برنامجًا متخصصًا في الألعاب الاستراتيجية أو الذكاء الاصطناعي الفائق الذي يتطلب تركيزًا حاسوبيًا ضخمًا على تحليلات الموقف والتخطيط بعيد المدى هذه النتيجة تذكرنا بأن الذكاء الاصطناعي، رغم تقدمه الكبير، لا يزال يخضع لحدود بنيته الوظيفية، فبينما نجحت الحواسيب المتخصصة مثل "Deep Blue" من IBM في هزيمة أبطال العالم، يبقى شات جي بي تي مصممًا للمحادثة وتوليد النصوص، لا للعب الشطرنج كمحترف.

الحدث يستحضر الذاكرة التقنية حين تمكنت "Deep Blue" من هزيمة غاري كاسباروف عام 1997، وهو إنجاز تاريخي مثّل آنذاك نقطة تحول في العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والبشر، بالمقارنة، لم تُصمّم لعبة "Video Chess" لتكون خصمًا قويًا، لكنها أثبتت أن التصميم المبني لغرض واحد يمكن أن يتفوق أحيانًا على النماذج متعددة الأغراض وبينما تعمل OpenAI على الوصول إلى ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي العام، القادر على أداء أي مهمة معرفية يُمكن للإنسان القيام بها، يبدو الطريق لا يزال مليئًا بالاختبارات التي تكشف الفجوة بين الطموحات والواقع، فالهزيمة أمام خصم من السبعينيات توحي أن الذكاء الحقيقي لا يُقاس دائمًا بالحداثة.

وربما تكمن قيمة هذه التجربة في التذكير بأن التكنولوجيا القديمة، رغم بساطتها، لم تكن عديمة الكفاءة، بل في بعض الأحيان، تكون التخصصية هي المفتاح لهزيمة من يسعى إلى أن يعرف كل شيء، وهذا ما أكده "أتاري 2600" بطريقته الخاصة في نهاية المطاف، يظل شات جي بي تي من أكثر أدوات الذكاء الاصطناعي تطورًا في زمننا، لكنه ليس معصومًا من الأخطاء، خاصة عندما يُدفع إلى مجالات لا يتقنها بشكل كافٍ، وربما تكون هذه الواقعة درسًا بليغًا لمطوريه: ليس كل اختبار يمكن تجاوزه بالبلاغة وحدها.