واصلت شركة مايكروسوفت جهودها في إعادة هيكلة مواردها البشرية عبر جولة جديدة من عمليات التسريح، حيث أعلنت عن تقليص نحو تسعة آلاف وظيفة، في خطوة تعكس تحولات كبرى داخل عملاق التقنية، وسط التوسع المتسارع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يأتي هذا القرار في إطار خطة تهدف إلى مواءمة فرق العمل مع المتطلبات الحديثة للسوق المتغير، وتحقيق مزيد من المرونة التنظيمية.
وأكدت متحدثة باسم الشركة أن نسبة التسريح تمثل أقل من 4% من إجمالي القوى العاملة، والتي يبلغ عددها 228 ألف موظف حسب التقرير السنوي الأخير، وأشارت إلى أن التغييرات التنظيمية المستمرة تهدف لوضع الشركة وفرقها في موقع أفضل لمواكبة تطورات سوق العمل المتسارعة والمتغيرة.
إقرأ ايضاً:السعودية وإيطاليا تبحثان تفعيل اتفاقية التعاون في التعليم والبحث العلمياقتصاد ينمو وتوظيف يتسارع.. السعودية تسجل قفزة جديدة في مؤشر المشتريات
وجاء هذا الإعلان بعد أن كانت مايكروسوفت قد أعلنت في مايو الماضي عن خطة اجتماعية تضمنت تقليصًا بنسبة أقل من 3% من موظفيها، وهو ما يعادل حوالي ستة آلاف موظف، بالإضافة إلى ذلك، أظهرت تقارير إعلامية عالمية أن الشركة استغنت عن نحو ألفي موظف منذ بداية العام الحالي، مما يرفع إجمالي عدد المسرّحين إلى أكثر من 8 آلاف شخص.
تأتي هذه السياسة ضمن توجه عام يهدف إلى خفض المستويات الهرمية داخل الشركة، وتسهيل عمليات اتخاذ القرار، وتعزيز المرونة في العمل، ويرى محللون أن هذه الخطوة مرتبطة جزئيًا بزيادة اعتماد مايكروسوفت على الذكاء الاصطناعي في أداء مهامها اليومية، مما يقلل الحاجة إلى عدد كبير من الموظفين في بعض القطاعات.
وفي تصريح سابق له، كشف الرئيس التنفيذي للشركة، ساتيا ناديلا، أن بين 20 إلى 30% من البرمجة الداخلية في الشركة تتم الآن بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مما يوضح حجم التغيير التقني الذي تشهده الشركة، ومع ذلك رفضت مايكروسوفت الربط المباشر بين تسريح الموظفين والتوسع في الذكاء الاصطناعي، مبررة القرار بأنه يأتي ضمن جهود تحسين العمليات والمنتجات والوظائف وتقليل الازدواجية.
وقالت الشركة في بيان رسمي إنها تسعى من خلال هذه التغييرات إلى تمكين موظفيها من تخصيص وقت أكبر للمهام التي تضيف قيمة حقيقية، عبر نشر تقنيات وميزات جديدة تساعد في تبسيط العمل وتعزيز الإنتاجية، هذه الخطوة تهدف إلى تحويل الهيكل التنظيمي لجعل الشركة أكثر كفاءة وقدرة على المنافسة في عالم سريع التغير.
ويُذكر أن مايكروسوفت كانت قد شهدت سابقًا موجة تسريحات كبيرة في بداية عام 2023، حيث أقرت بخفض 10 آلاف وظيفة آنذاك، في استجابة لضغوط ناتجة عن الإنفاق المفرط خلال جائحة كورونا، على الرغم من ذلك، حافظت الشركة على سياسة توسعية في التوظيف، حيث سجل عدد موظفيها زيادة قياسية بلغت 228 ألف موظف في 2024، بزيادة نسبتها 63% مقارنة بعام 2019.
هذا التناقض بين التسريحات الموسعة والتوسع في التوظيف يعكس التحديات التي تواجهها مايكروسوفت في موازنة التحديث التكنولوجي والهيكل التنظيمي مع الحفاظ على مكانتها في سوق تنافسية للغاية، ويبدو أن الشركة تسعى الآن لإعادة ترتيب أوراقها لتكون أكثر جاهزية لمواجهة مستقبل يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي.
من جانب آخر، تحمل هذه التحولات دلالات مهمة لسوق العمل التقني العالمي، حيث تظهر أن الذكاء الاصطناعي لا يغير فقط من طبيعة الوظائف، بل يفرض أيضًا تحولات جذرية على استراتيجيات التوظيف والتطوير المهني داخل كبريات الشركات، مما يجعل الموظفين في حالة ترقب دائم لتكييف مهاراتهم مع هذا المشهد الجديد.
في خضم هذه التغيرات، تبقى مايكروسوفت واحدة من أبرز الشركات التي تقود حركة التغيير هذه، حيث تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي وتعمل على دمجه في كل مناحي أعمالها، مما يعزز مكانتها في قطاع التكنولوجيا رغم تحديات تقليص القوى العاملة.
ومع استمرار الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، يتوقع الخبراء أن تشهد سوق العمل مزيدًا من التغييرات في الهيكل التنظيمي للوظائف، خاصة في مجالات البرمجة، الدعم الفني، والتطوير، مما يفرض على الموظفين وأصحاب الشركات الاستعداد المسبق لهذه التحولات.
في النهاية، يبقى السؤال حول كيفية توازن الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت بين الابتكار التقني والحفاظ على رأس مالها البشري، وكيف ستتطور العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والقوى العاملة في المستقبل القريب، في ظل هذه التغييرات المتسارعة.