في خضم موجة تسريحات كبيرة تشهدها شركة مايكروسوفت، أثار مسؤول تنفيذي في قسم الألعاب التابع للشركة جدلاً واسعاً بعد أن نشر نصيحة غريبة على منصة "لينكد إن"، دعا فيها الموظفين المسرّحين إلى استخدام روبوت الدردشة "Microsoft Copilot" كوسيلة للتعامل مع الضغوط النفسية الناتجة عن فقدان وظائفهم.
النصيحة جاءت على لسان مات تورنبول، المنتج التنفيذي في "إكس بوكس غيم ستوديوز"، حيث نشر تدوينة قصيرة على صفحته في "لينكد إن" حاول من خلالها أن يقدم دعماً افتراضياً للزملاء الذين طالهم قرار الشركة الأخير، لكن ما لبث أن حذف المنشور لاحقاً بعد أن أثار ردود فعل متباينة.
إقرأ ايضاً:
تحذير رسمي لهذه المنشآت .. التجارة تدعو لتأكيد بيانات السجل التجاري إلكترونيًا خلال 90 يومًاقبل فوات الأوان .. الصناعة تحث المصانع على الإبلاغ عن الواردات الضارةرصدت مدونة "Aftermath" المتخصصة بالألعاب المنشور قبل حذفه، ونقل عنه موقع "Mashable" الأميركي قوله إنه يدرك أن هذه الأدوات قد تُثير مشاعر متناقضة، لكنه شعر بأن من واجبه مشاركة ما اعتبره أفضل نصيحة ممكنة في تلك اللحظة، حتى لو كانت مثيرة للجدل.
تورنبول أوضح أنه بدأ بتجريب استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على النماذج اللغوية الكبيرة مثل "شات جي بي تي" و"Copilot" بهدف تقليل الأثر النفسي والمعرفي الناتج عن فقدان الوظيفة، معتبراً أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد البعض على تجاوز التوتر الذهني.
ورغم أن المنشور بدا في ظاهره دعوة إيجابية للبحث عن حلول بديلة أو دعم عاطفي غير تقليدي، إلا أن كثيرين رأوا فيه استخفافاً بمأساة إنسانية حقيقية يعيشها آلاف الموظفين الذين فقدوا وظائفهم بسبب قرارات إدارية قاسية.
يأتي هذا الجدل في أعقاب إعلان مايكروسوفت في الأول من يوليو 2025 عن أكبر حملة تسريح للموظفين منذ عامين، حيث كشفت الشركة عن خطتها لتقليص نحو 9,000 وظيفة، أي ما يعادل قرابة 4% من إجمالي قوتها العاملة حول العالم.
تركزت عمليات التسريح الأخيرة في قسم الألعاب، لا سيما ضمن فرق "إكس بوكس"، في خطوة تهدف إلى تحسين الهيكل التشغيلي وضمان استعداد الشركة لمواجهة التحديات المتغيرة في سوق يشهد تحولاً ديناميكياً مستمراً.
والمفارقة أن هذه الحملة جاءت بعد فترة قصيرة من موجة تسريح سابقة أعلنت عنها الشركة مطلع العام نفسه، حينما استغنت عن 6,000 موظف إضافي، وهو ما يعكس توجهاً واضحاً نحو تخفيض التكاليف التشغيلية حتى على حساب العاملين.
وبحسب أرقام الشركة، فإن عدد الموظفين الإجمالي في مايكروسوفت بلغ 228 ألف موظف حتى نهاية يونيو 2024، ما يعني أن التخفيضات المتتالية بدأت تؤثر بوضوح على حجم الشركة وطبيعة فرق العمل داخلها.
الردود على نصيحة تورنبول تباينت بشكل لافت، فبينما اعتبرها البعض محاولة جيدة لمساعدة الآخرين باستخدام أدوات العصر، رأى آخرون أنها تنم عن انفصال واضح عن الواقع، حيث لا يمكن لروبوت محادثة أن يُعوّض صدمة فقدان مصدر دخل حقيقي.
كما انتقد موظفون سابقون في الشركة اللهجة الباردة التي بدت في المنشور، معتبرين أن المسؤولين في الشركة يحاولون طمس الأبعاد الإنسانية للأزمة باستخدام أدوات تكنولوجية تفتقر للتعاطف الفعلي، رغم براعتها في معالجة اللغة.
في المقابل، اعتبر آخرون أن الذكاء الاصطناعي قد يوفّر دعماً نفسياً أو سلوكياً مؤقتاً، على غرار المذكرات الذاتية أو جلسات التنفيس غير الرسمية، لكنه لا يغني بأي حال عن خطط دعم واضحة للموظفين المسرحين وإعادة توظيفهم أو تأهيلهم.
مايكروسوفت نفسها لم تعلّق بشكل رسمي على المنشور المحذوف، لكنها تستمر في ترويج أدوات الذكاء الاصطناعي كأدوات إنتاجية وابتكارية تعزز بيئة العمل، في الوقت الذي يعاني فيه عدد متزايد من موظفيها من ضغوطات نفسية ومهنية حقيقية.
ويبدو أن نصيحة تورنبول، رغم حذفها، ستظل معلقة كرمز لحالة التناقض المتزايد في عالم الشركات الكبرى، حيث يُروّج للذكاء الاصطناعي كمخلّص في حين تُدفع أثمانه من وظائف البشر أنفسهم الذين ساهموا في بنائه وتشغيله.