أعلنت الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" عن دراستها لعدد من الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بالشركة الوطنية للغازات الصناعية "غاز"، التي تمتلك فيها حصة الأغلبية، في خطوة قد تفضي إلى طرح عام أولي مرتقب في السوق المالية السعودية، مما يعكس تحركًا مهمًا في سياق استراتيجية التحول والتركيز على الأنشطة الرئيسية للشركة الأم.
وتأتي هذه الخطوة في ظل مساعٍ متواصلة من "سابك" لإعادة هيكلة محفظتها الاستثمارية، في وقت تواجه فيه الشركة تحديات اقتصادية مركبة ناتجة عن تقلبات الأسواق العالمية للبتروكيماويات، حيث تسعى إلى توجيه مواردها نحو قطاعات ذات نمو أعلى وعوائد استراتيجية أكثر استدامة.
إقرأ ايضاً:
"بعد إعلان النتائج الأولية".. شرط جديد ومفاجئ في قبول الكليات العسكريةتنبيه للمستخدمين.. "حافلات الرياض" تعلن إغلاق نقطة توقف هامةوأوضحت "سابك" في بيان رسمي أنها تنظر في هذا الطرح كجزء من خطة لتعزيز مركزها المالي، ورفع مستوى القيمة المقدمة للمساهمين، وهي خطوة تتماشى مع توجهات الشركة طويلة المدى في تحسين كفاءة استخدام الأصول، وتحقيق أقصى استفادة من الشركات التابعة ذات الأداء المالي القوي.
وتمتلك "سابك" حصة قدرها 74% في "الوطنية للغازات الصناعية"، وهي شركة نشطة في قطاع حيوي يرفد العديد من الصناعات في المملكة، وتؤدي دورًا محوريًا في تلبية احتياجات القطاعات الحيوية مثل التصنيع والصحة والطاقة، محققة إيرادات بلغت نحو 1.6 مليار ريال سعودي في عام 2024، وفق بياناتها المالية المعلنة.
وبينما لم تؤكد "سابك" موعدًا محددًا لأي طرح فعلي، إلا أن مجرد الإعلان عن دراسة هذا الخيار يعكس تحولًا ملموسًا في طريقة إدارة الشركة لأصولها غير الأساسية، وذلك في ظل سياسة مالية أكثر تحفظًا تفرضها الأوضاع الحالية في الأسواق العالمية، والانكماش في الطلب على المنتجات الكيماوية.
ويأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه السوق المالية السعودية موجة متصاعدة من الطروحات الأولية، حيث جذبت الشركات السعودية اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين المحليين والدوليين، وسجلت اكتتابات ضخمة في الأشهر الماضية، ما يعكس ثقة كبيرة في اقتصاد المملكة وإصلاحاتها الاقتصادية المتسارعة.
وكانت السوق السعودية قد استقطبت اكتتابات لافتة في عام 2025، بينها "طيران ناس" و"الطبية التخصصية"، فيما جذبت "الشركة المتحدة لصناعات الكرتون" طلبات فاقت 20 مليار دولار، ما يضع السوق السعودية في مقدمة الأسواق الخليجية من حيث النشاط والاكتتابات، ويعزز من احتمالات نجاح أي إدراج جديد.
ويرى مراقبون أن "سابك" تستفيد من هذا الزخم في السوق لتقييم جدوى طرح "غاز"، خاصة وأن الطروحات في السوق السعودية حظيت بإقبال يفوق التوقعات، مما يوفر بيئة ملائمة لتحريك أصول غير رئيسية وتحقيق سيولة يمكن توجيهها لدعم العمليات الرئيسية للشركة الأم.
وتواجه "سابك" تحديات مستمرة نتيجة التباطؤ العالمي في قطاع الكيماويات، حيث سجلت الشركة خسائر فصلية متعاقبة دفعتها إلى مراجعة هيكلها التشغيلي، والبدء في تنفيذ خطة لخفض التكاليف وتحسين الكفاءة التشغيلية بهدف استعادة توازنها المالي وتحقيق النمو المستقبلي.
ويعد قطاع الغازات الصناعية من القطاعات التي تتمتع بمرونة عالية ومجالات نمو متنوعة، ما يجعله خيارًا مناسبًا لجذب المستثمرين، خاصة في ظل الطلب المتزايد على المنتجات المرتبطة به في قطاعات التكنولوجيا والطب والطاقة، مما يزيد من جاذبية "غاز" كمصدر محتمل للعائدات المستقرة
ومن المرجح أن تسعى "سابك" في حال اتخاذها قرار الطرح، إلى ضمان تسعير دقيق يعكس القيمة الحقيقية لأصول الشركة التابعة، مع مراعاة التوازن بين السيولة المستهدفة والمستوى الاستثماري المستقبلي الذي تحتفظ به الشركة في "غاز"، سواء عبر تقليص نسبتها أو الاحتفاظ بحصة استراتيجية.
ورغم عدم صدور تفاصيل إضافية حول النسبة المحتملة للطرح أو الجدول الزمني المتوقع، فإن هذا النوع من الخطوات غالبًا ما يُسبق بعمليات تقييم داخلي دقيقة، تشمل مراجعة مالية وتنظيمية ومقارنة مع طروحات سابقة مشابهة في نفس القطاع، لضمان جاهزية الشركة للمتطلبات السوقية والتنظيمية.
ويعكس توجه "سابك" الحالي اتساقًا مع توجهات صندوق الاستثمارات العامة والشركات الكبرى في المملكة، التي تسعى إلى تعزيز كفاءة استثمار الأصول وتنمية القطاع الخاص من خلال طرح وحدات مستقلة قابلة للنمو، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
ويترقب المستثمرون المحليون والدوليون تفاصيل إضافية خلال الفترة المقبلة، في ظل شهية مرتفعة على الاستثمار في الشركات الصناعية والتقنية، خاصة مع استقرار البيئة الاقتصادية المحلية، وتزايد فرص التنويع بعيدًا عن النفط كمصدر رئيسي للدخل في الاقتصاد السعودي.
ومع بقاء الخيارات مفتوحة أمام "سابك"، من المتوقع أن تشمل المراجعة تقييم فرص الشراكات أو الطرح الجزئي أو حتى التخارج الاستثماري الكامل، بناءً على أفضل العوائد الممكنة والآثار الاستراتيجية على المدى الطويل لمجموعة "سابك" الأم.
ويمثل قرار الطرح المحتمل جزءًا من حركة أوسع لإعادة رسم ملامح القطاع الصناعي السعودي، الذي بدأ يشهد تحولات جوهرية على صعيد الهيكلة التمويلية والاستثمار المؤسسي، مدفوعًا بإصلاحات اقتصادية ومبادرات تنموية تهدف إلى تعزيز الاستقلالية والربحية المستدامة للشركات الكبرى.
ويُنتظر أن تُحدث مثل هذه التحركات انعكاسات إيجابية على بيئة الاستثمار في المملكة، حيث تسهم الإدراجات الجديدة في تعميق السوق المالية، وزيادة عدد الشركات المدرجة، وتنويع الخيارات الاستثمارية أمام الأفراد والمؤسسات، مما يعزز من تنافسية الاقتصاد السعودي إقليميًا ودوليًا.