في خطوة تعكس التزام المملكة العربية السعودية بتبني أحدث الحلول التقنية وتطبيق أفضل الممارسات العالمية في قطاع الطرق، حظيت شبكة الطرق المؤدية إلى المشاعر المقدسة باهتمام متزايد هذا العام، حيث بدأت الهيئة العامة للطرق باستخدام معدة حديثة ومتطورة تعمل على إعادة تدوير كامل طبقات الأسفلت وما تحتها في الموقع، وتعرف هذه التقنية باسم (FDR)، وتأتي هذه المبادرة ضمن استراتيجية الهيئة الرامية إلى تعزيز كفاءة البنية التحتية، والارتقاء بجودة شبكة الطرق، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، خاصة فيما يتعلق بتسهيل حركة ضيوف الرحمن والوصول إلى 30 مليون معتمر بحلول نهاية العقد الحالي.
تقنية (FDR) تعد واحدة من أبرز حلول إعادة التدوير البارد في الموقع، حيث تعتمد على طحن الطبقات الإسفلتية بالكامل وما تحتها من تربة وركام في الموقع نفسه، مع إمكانية مزجها بمواد تثبيت مثل الأسمنت وغيره، لتكوين طبقة أساس جديدة وقوية تهيأ لاستقبال السطح الإسفلتي النهائي. ما يميز هذه الطريقة أنها تختصر الزمن، وتقلل من استخدام الموارد الطبيعية، وتسهم في خفض التكاليف بنسبة تتراوح بين 40% إلى 70% مقارنة بالطرق التقليدية في الصيانة وإعادة التأهيل.
هذا التوجه الحديث لا يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل يعكس تحولًا جوهريًا في فلسفة إدارة البنية التحتية، إذ تشكل كفاءة الأداء والالتزام بالمعايير البيئية محورين رئيسيين في تطبيق التقنية الجديدة، فبالإضافة إلى تخفيض التكاليف وتقليص الزمن المستغرق في تنفيذ الأعمال، تسهم تقنية (FDR) في الحفاظ على البيئة، عبر إعادة استخدام ما يصل إلى 100% من المواد المتوفرة في الموقع، مما يقلل الحاجة لاستخراج مواد جديدة بنسبة تتجاوز 40%، ويحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عمليات النقل والتصنيع.
ومن أبرز مميزات هذه التقنية أيضًا أنها تتيح إعادة فتح الطريق أمام حركة المرور الخفيفة في نفس يوم تنفيذ الأعمال، ما يقلل بشكل كبير من الأثر السلبي على الحركة المرورية، خصوصا في الطرق التي تشهد كثافة عالية من الزائرين والمعتمرين والحجاج، وهو ما يعد عاملا حاسما في المناطق المحيطة بالمشاعر المقدسة التي تشهد تدفقات بشرية ضخمة خلال مواسم الحج والعمرة.
وتعد هذه المبادرة جزءًا من خطة أوسع أطلقتها الهيئة العامة للطرق لتبني أحدث التقنيات في بناء وصيانة الطرق على مستوى المملكة، حيث سبق وأن أعلنت عن عدد من التجارب المماثلة في مناطق مختلفة، ويأتي ذلك ضمن رؤية استراتيجية لرفع مؤشر جودة الطرق في السعودية إلى المرتبة السادسة عالميا، وهو هدف طموح يعكس التوجه العام نحو الابتكار في قطاع حيوي له أثر مباشر على حياة السكان والزوار، وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
كما ترتبط هذه الجهود مباشرة بأهداف تقليل الحوادث المرورية والوفيات، حيث تسعى الهيئة إلى خفض عدد الوفيات الناجمة عن الحوادث إلى أقل من 5 حالات لكل 100 ألف نسمة بحلول عام 2030، وهو ما يتطلب تحسين جودة الطرق، وتطوير وسائل الإنشاء والصيانة بما يحقق أعلى معايير السلامة.
وتُشير المؤشرات الأولية إلى نجاح التجربة التي أطلقتها الهيئة باستخدام معدات (FDR)، من حيث تقليص زمن التنفيذ، ورفع كفاءة الأداء، وتقليل التكلفة، ما يشجع على التوسع في استخدام هذه التقنية في مناطق أخرى من المملكة، لا سيما في الطرق التي تربط بين المدن والمناطق ذات الكثافة السكانية أو الموسمية العالية.
وفي ظل النمو المستمر في أعداد الحجاج والمعتمرين، تعد صيانة وتأهيل الطرق المؤدية إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أولوية وطنية، ويتطلب ذلك حلولاً تكنولوجية ذكية تحافظ على مستوى الخدمة دون تعطيل مصالح المستخدمين، ومن هنا، يتجلى بوضوح أن ما تقوم به الهيئة العامة للطرق ليس مجرد عمل روتيني، بل هو جزء من رؤية وطنية شاملة تستثمر في الإنسان والمكان، وتفتح آفاقًا جديدة للبنية التحتية الذكية والمستدامة.