هيئة الحكومة الرقمية

إلغاء مئات المنصات الحكومية السعودية ضمن التحول الرقمي لرؤية 2030

كتب بواسطة: سوسن شرف |

في تحول نوعي يعكس الجدية في تنفيذ رؤية السعودية 2030، أعلنت هيئة الحكومة الرقمية في تقريرها السنوي لعام 2024 عن إلغاء 236 منصة حكومية رقمية، في خطوة تهدف إلى توحيد تجربة المستخدم ورفع كفاءة الأداء الرقمي الحكومي، وهذا الإجراء جاء ضمن برنامج "الحكومة الشاملة"، الذي يمثل أحد أهم المبادرات الوطنية لتعزيز الحوكمة التقنية والتكامل بين الجهات الحكومية، عبر دمج الخدمات وتبسيط النوافذ الرقمية أمام المستخدم النهائي، سواء كان مواطنًا، مقيما، أو زائرًا.

الهيئة أوضحت أن العدد الإجمالي للمنصات بعد عملية الدمج سيصل إلى 581 منصة فقط، بعدما كانت المنظومة الرقمية تعاني من تشتت واضح بسبب كثرة البوابات واختلاف هياكلها التشغيلية والتصميمية، وقد تمثل هذا التعدد في أكثر من جهة تقدم خدمات مشابهة عبر منصات منفصلة، مما أرهق المستفيدين وخلق تكرارًا في الجهود وتضاربًا في واجهات الاستخدام، وبالتالي، فإن تقليص هذا العدد يعتبر خطوة استراتيجية لبناء نظام رقمي متكامل يخدم المستفيد ويقلل من الهدر في الموارد التقنية.
إقرأ ايضاً: الشيخي يفجرها.. "شرط وحيد" لمشاركة ثيو هيرنانديز مع الهلال في كأس العالم للأنديةمفاجأة مدوية .. الهلال يحسم صفقة حمدالله رسميًا ويكشف تفاصيل الإعارة المفاجئة

أحد أبرز الأدوات التي اعتمدتها الهيئة في هذا المسار هو "كود المنصات"، وهو نظام تصميم موحد يستند إلى مكتبة رقمية ومعايير تقنية عالية تضمن تناسق شكل ومحتوى وخدمات جميع المنصات الحكومية، وهذا الكود ليس مجرد قالب بصري، بل هو إطار عمل شامل يفرض لغة تصميم موحدة، وينسجم مع أفضل الممارسات العالمية في بناء واجهات المستخدم وتجربة الزائر، وقد أكدت الهيئة أن اعتماد "كود المنصات" ساهم بشكل كبير في تحسين التفاعل مع المنصات وتقليل وقت الوصول إلى الخدمات، إضافة إلى تعزيز الثقة في القنوات الرقمية الحكومية.

ولا يقتصر هذا التوجه على الجانب الشكلي أو البصري فقط، بل يتجاوز ذلك إلى بنية تحتية تقنية تعزز من قابلية التكامل بين الجهات المختلفة. فحين تعمل الجهات الحكومية ضمن بيئة موحدة وتحت نظام تصميم مشترك، يصبح من السهل ربط البيانات، وتوحيد أساليب المصادقة، وتسهيل الوصول إلى الخدمات ذات العلاقة دون الحاجة لإعادة إدخال المعلومات أو التنقل بين منصات متفرقة، وهذا ما يجعل البيئة الرقمية السعودية أكثر نضجًا وقدرة على استيعاب التطورات التقنية المستقبلية، كالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وتحليلات البيانات.

تقرير الهيئة أشار أيضًا إلى أن هذا الدمج ساعد الجهات الحكومية على تحسين كفاءتها التشغيلية، حيث أصبح بإمكانها الاستفادة من موارد تقنية مشتركة وتحديثات مركزية، دون الحاجة لتكرار الجهود أو بناء حلول خاصة بكل جهة على حدة، كما أتاح هذا الدمج خفض التكاليف التقنية على المدى البعيد، سواء في مجالات التطوير أو الصيانة أو الدعم الفني، وهو ما يصب في مصلحة الميزانية العامة ويزيد من العائد الاستثماري للقطاع الرقمي الحكومي.

في جوهر هذه المبادرة يظهر التزام المملكة بالتحول من مفهوم "الخدمة الرقمية" إلى مفهوم "الحكومة الرقمية الشاملة"، حيث لا يُنظر إلى الرقمنة كخيار بل كضرورة حتمية لتحقيق كفاءة في تقديم الخدمات وتحقيق رضا المستخدم، فالمواطن لم يعد ينظر إلى الجهة التي تقدم الخدمة بقدر ما يهمه أن يحصل عليها بسهولة، في وقت قياسي، وبجودة موثوقة، وهذا ما تسعى الهيئة لتحقيقه من خلال هذه الخطوات الجريئة.

اللافت أن هذا البرنامج يتكامل مع جهود أوسع تقوم بها المملكة لتعزيز الابتكار الحكومي، وتهيئة بنية تحتية رقمية عالمية المستوى، تدعم مستقبلًا تقنيًا قائمًا على البيانات المفتوحة، والتشغيل البيني، والخدمات الذاتية الذكية، ومن المؤكد أن هذه الخطوات، وإن كانت تتطلب بعض التعديلات من الجهات والمؤسسات، إلا أنها تمهد الطريق لبناء نظام رقمي وطني مرن وقابل للتوسع، يخدم الأجيال القادمة ويعزز من مكانة المملكة في مؤشرات التنافسية الرقمية العالمية.

وفي النهاية، فإن هذا التحول لا يمثل مجرد تحديث تقني، بل هو انعكاس لرؤية بعيدة المدى ترى في المواطن والمقيم محورًا لكل السياسات والخدمات، وتسعى لتوفير بيئة رقمية تجعل الوصول إلى الخدمات الحكومية أكثر عدالة وكفاءة وسرعة، في انسجام تام مع أهداف رؤية 2030.