واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ غارات جوية مكثفة على قطاع غزة، في خضم تصعيد عسكري واسع النطاق. وقالت مصادر طبية فلسطينية إن هذه الهجمات أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 51 شخصاً منذ منتصف ليلة الثلاثاء، منهم 45 في شمال القطاع. وتأتي هذه الغارات في ظل حصار إسرائيلي خانق للقطاع دام أكثر من شهرين، حذرت الأمم المتحدة من أنه وضع السكان في «خطر مجاعة» نتيجة نقص الغذاء والدواء. وفي خان يونس جنوب غزة استهدفت طائرات إسرائيلية ما يعرف بمجمع ناصر الطبي فجر الثلاثاء، مما أدى إلى مقتل جريحَين كانا يتلقيان العلاج هناك، من بينهم الصحفي حسن أصليح. ولاحقاً أطلقت طائرات الاحتلال صواريخ على محيط مستشفى غزة الأوروبي، أسفرت عن إستشهاد 16 شخصاً وإصابة 70 آخرين، وفق وزارة الصحة في غزة. وأكد جيش الاحتلال أن هذه الضربات استهدفت «مراكز قيادية» لمقاتلين من حماس، بينما نفت حركة المقاومة ذلك ووصفت مقتل الصحفي أصليح بأنه «جريمة حرب جديدة» إسرائيلية.
ويشير مراقبون إلى أن هذه العمليات تأتي في سياق حملة واسعة طالَت مئات المواقع في القطاع، ما أدى إلى آلاف الضحايا من المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية. وفي الضفة الغربية المحتلة تواصل الجيش الإسرائيلي شنّ عمليات واسعة في عدة مناطق. ففي مخيم جنين بالضفة الشمالية أفادت مصادر طبية فلسطينية بإستشهاد أكثر من 10 فلسطينيين وإصابة العشرات خلال عمليات اقتحام متكررة شنتها القوات الإسرائيلية. كما تشهد بعض القرى مواجهات بين المواطنين وقوات الاحتلال مدعومة بمستوطنين. أما في القدس المحتلة، فقد اقتحمت قوات الاحتلال صباح الخميس مدارساً تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في مخيم شعفاط، وأمرت بإغلاقها بالقوة بعد انتهاء المهلة التي حددتها. وندّد المتحدث باسم وزارة التربية الفلسطينية بهذه الخطوة ووصفها بأنها «انتهاك خطير لحق الأطفال في التعليم»، وطالبت المؤسسات الحقوقية بتقديم دعم دولي لمنع عزل الطلاب عن مدارسهم.
عمّت حالة من الغضب والاستنكار لدى الفلسطينيين حيال هذا التصعيد. وصفت حركة حماس اغتيال الصحفي حسن أصليح بأنه «جريمة حرب جديدة» تضاف إلى سجل الاحتلال الأسود، مؤكدة أن استهداف الصحفيين مظهر من مظاهر «إرهاب الدولة الإسرائيلية» ضد الحقيقة. من جهتها، دان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة القصف الإسرائيلي لمجمع ناصر الطبي، واعتبره عملاً متعمداً ضد المدنيين ومصابي الحرب الذين يتلقون العلاج. كما حذّر مسؤولون فلسطينيون من أن استمرار مثل هذه الهجمات يثبت «العنف المنهجي» للإسرائيليين ويدعو المجتمع الدولي للتدخل العاجل. وفي الإطار نفسه، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إن أي استخدام للمجاعة كسلاح حرب هو «جريمة حرب» يجب محاسبة مرتكبيها.
على الصعيد الدولي والأقليمي، شهدت ردة فعل غاضبة. ندد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بإطلاق وصفه «آلة حرب إسرائيلية غير مسؤولة» تشنّ عدواناً يومياً على المدنيين بغزة وغيرها، وحذر من أنه لا مجال لإخلاء قطاع غزة من أهله. بدورها، أكدت الأمم المتحدة أن فرض الحصار وقطع الإمدادات الحيوية عن المدنيين يُعدّ عقاباً جماعياً محظوراً بموجب القانون الدولي. وطالبت كل من روسيا والصين وبريطانيا إسرائيل برفع الحصار على غزة فوراً، رافضين خطة أميركية لإدارة المساعدات عبر مراكز إسرائيلية. وأعرب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن قلقهما إزاء ارتفاع أعداد الضحايا، مؤكدين ضرورة حماية المدنيين وإيصال المعونات الإنسانية العاجلة. وفي حين يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغوطاً داخلية للبحث عن حلول لإطلاق سراح الأسرى، حذّرت منظمات حقوقية من أن مواصلة الحرب على هذا النحو يقود إلى مأساة إنسانية كارثية في غزة والضفة معاً.