في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة على مختلف الأصعدة، برز الملف المروري كأحد أوجه التغيير النوعي الذي لم يقتصر فقط على البنية التحتية، بل شمل الأنظمة، والسلوك، ونظرة المجتمع تجاه القانون.
كانت الكاتبة هيلة المشوح واحدة من الأصوات التي التقطت هذه التحولات بوضوح، مؤكدة أن ما يحدث في الشوارع لم يعد عشوائيًا.
إقرأ ايضاً:تحذيرات من التقلبات الجوية.. "الأرصاد الجوية “رياح نشطة وأتربة تحد من الرؤية في عدة مناطق بالمملكةولي العهد السعودي يرحب باتفاق وقف إطلاق النار ويشدد على الحوار الدبلوماسي
ترى المشوح أن المملكة خطت خطوات واسعة نحو تنظيم المشهد المروري، بفضل إدخال أنظمة ذكية مثل "ساهر"، إلى جانب تشريعات صارمة غيّرت من سلوكيات كانت متجذرة في الشارع، بدءًا من التساهل بالسرعة، وانتهاءً بتجاهل الإشارات والأنظمة.
الكاتبة لا تتحدث من موقع ناقد للنظام، بل من موقع المؤمن بأن الحزم لا يعني الترصد، وأن الانضباط لا يعني التضييق، فالكاميرا التي تلتقط المخالفة، كما تقول، قد تكون سببًا في إنقاذ حياة، لا وسيلة لجباية غرامة.
في مقالها المنشور تحت عنوان "الصرامة المرورية،، حماية لا تضييق!" أوضحت المشوح أن التحول الحضاري للمدن لا يمكن أن يكتمل دون شوارع آمنة وسلوك قيادة متزن، معتبرة أن الحزم في النظام المروري لم يعد خيارًا، بل ضرورة لحماية الأرواح وحفظ النظام.
وبنظرة تحليلية لأثر نظام "ساهر"، شددت على أنه نجح خلال سنوات قليلة في إحداث تغيير حقيقي، سواء في طريقة القيادة أو في مستوى الوعي العام، فما كان يُعد سابقًا استثناءً، مثل ربط الحزام واحترام الإشارات، بات اليوم سلوكًا شبه جماعي.
لكن رغم ما تحقق، تشير المشوح إلى أن الطريق ما زال طويلًا، فبعض الممارسات الخاطئة لم تختفِ بعد، هناك من يراوغ النظام، يتنقل عشوائيًا بين المسارات، أو يقف بطريقة خاطئة تعيق حركة السير، وكلها تجاوزات تستدعي موقفًا صارمًا من الجهات المعنية.
وتؤكد الكاتبة أن هذه الفئة المتهورة لا تكتفي بالإخلال بالنظام، بل تضع حياة الآخرين على المحك، ما يفرض ضرورة تفعيل صارم لكل الأنظمة القائمة، وتغليظ العقوبات على من لا يرى في الطريق إلا ميدانه الخاص لتجربة السرعة أو التفرد في المخالفة.
المشوح دافعت عن الصرامة المرورية باعتبارها ليست وجهًا من وجوه التشدد، بل غلافًا للحرص، خاصة حين ترتبط بمسائل حياة أو موت، مشيرة إلى أن تجربة خمسة عشر عامًا من تطبيق "ساهر" أثبتت أن الحزم يُنقذ، والتهاون يُزهق الأرواح.
تجربة "ساهر" التي بدأت منذ أبريل 2010 كانت، وفقًا لها، نقطة تحول، أثبتت أن الالتزام ليس فقط استجابة لمراقبة خارجية، بل هو فعل وعي داخلي يتبلور مع الوقت ليصبح جزءًا من ثقافة السائق وسلوكه اليومي.
تدعو المشوح إلى التحوّل من ثقافة "الخوف من الغرامة" إلى "الاحترام للحياة"، معتبرة أن كل مخالف يقود سيارة وكأن لا قانون يردعه، يُشكل خطرًا متحركًا، ومهما كانت الإجراءات التقنية دقيقة، يظل الوعي هو الرهان الأهم.
وتحذر الكاتبة من أن ترك ثغرات في تطبيق النظام يُفسح المجال للمخالفين، ويكسر ثقة السائقين الملتزمين، مشددة على أن العدالة المرورية لا تتحقق فقط برصد المخالف، بل بمنع المخالفة قبل وقوعها عبر الردع الحازم.
في منظورها، الطريق ليس فقط إسفلتًا وزمنًا للوصول، بل هو مسؤولية مشتركة بين السائق، والنظام، والوعي المجتمعي، ولهذا تُلح على أهمية جعل الالتزام فعلًا نابعًا من احترام الذات، لا فقط نتيجة كاميرا في عمود مراقبة.
تقول المشوح إن نظام "ساهر" ليس نهاية القصة، بل بدايتها، فمع كل تطور في التقنية، ينبغي أن يتطور النظام في أدواته ورقابته وتشريعاته، ليُبقي الخطر تحت السيطرة، ويمنع من يستهين بالقانون من أن يحوّل الطريق إلى ساحة للفوضى.
وتختم الكاتبة نداءها بتأكيد بسيط لكنه عميق: أن النظام لا يجب أن يشعر السائق بأنه عدو يترصده، بل مظلة تحميه، وأن الالتزام المروري ليس فقط احترامًا لأنظمة المرور، بل احترامًا للناس، وللحياة ذاتها.