كشفت دراسة علمية حديثة عن ارتباط محتمل بين تلوث الهواء وتطور سرطان الرئة، حتى لدى الأشخاص الذين لم يسبق لهم التدخين، مما يعيد طرح الأسئلة حول الأثر العميق للعوامل البيئية على صحة الإنسان.
الدراسة، التي نقلت نتائجها "سكاي نيوز عربية"، استندت إلى بيانات إقليمية عن تلوث الهواء، وركزت على الجزيئات الدقيقة المعروفة باسم PM2.5، والتي تتغلغل في الرئتين عند استنشاقها، وقد تصل إلى مجرى الدم، محدثة تغيرات في الخلايا قد تكون مرتبطة بنشوء السرطان.
إقرأ ايضاً:
بفضل "GPT-4o" و"Llama".. منصة إماراتية جديدة تحول "المشتريات" إلى عملية ذكية وسريعة"خطر وجودي على البشر".. ما هي "المخاوف المرعبة" التي دفعت علماء الذكاء الاصطناعي لإطلاق هذا النداء؟وأوضح الباحثون القائمون على الدراسة أن الاعتماد على بيانات تلوث هوائي على مستوى المناطق وليس على مستوى الأفراد، يطرح تحديات علمية عند تفسير النتائج، إذ من الصعب تحديد مدى تعرض كل فرد بدقة لهذه الجزيئات الدقيقة، ما يفتح المجال لاحتمالات تداخل عوامل أخرى في تفسير العلاقة بين التعرض للتلوث والإصابة بسرطان الرئة.
كما أشاروا إلى أن دقة إفادات المشاركين حول تاريخهم الشخصي مع التدخين قد تؤثر على مصداقية النتائج، خصوصًا أن التدخين لا يزال أحد أبرز العوامل المعروفة للإصابة بهذا النوع من السرطان.
ورغم هذه القيود المنهجية، يعتقد العلماء أن ما تم التوصل إليه يشكّل دعمًا إضافيًا للفرضية القائلة بأن تلوث الهواء يمكن أن يلعب دورًا في تطور سرطان الرئة، من خلال آليات جينية مماثلة لتلك التي يتسبب بها التدخين.
وقد أشار الفريق البحثي إلى أن الجزيئات الدقيقة الناتجة عن عوادم المركبات والانبعاثات الصناعية وحرائق الغابات، قد تتسبب في حدوث طفرات أو التهابات مزمنة تؤدي بمرور الوقت إلى تغيرات خلوية مسببة للسرطان.
وفي هذا السياق، أكدت عالمة الأوبئة الدكتورة ماريا تيريزا لاندي من المعهد الوطني للسرطان، أن النتائج تضع المجتمع الدولي أمام تحدٍّ صحي كبير يتطلب تحركًا علميًا ووقائيًا عاجلًا، وقالت: "علينا أن نفهم بشكل أفضل العلاقة بين تلوث الهواء وإصابات سرطان الرئة لدى غير المدخنين، لأننا أمام مشكلة صحية متنامية لا يمكن تجاهلها".
وأشارت إلى أن الأبحاث المستقبلية يجب أن تركز على تقييم التعرض الفردي بشكل أدق، إلى جانب دراسة التفاعلات الجينية والبيئية، لتحديد الآليات التي تربط بين التلوث والإصابة.
وتتزايد في السنوات الأخيرة الأصوات المطالبة بتشديد معايير جودة الهواء عالميًا، خاصة في المدن الكبرى التي تعاني من مستويات عالية من التلوث، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن ملايين الأشخاص حول العالم يتعرضون يوميًا لتركيزات ضارة من الجزيئات الدقيقة، التي تُعد أحد العوامل المسببة للأمراض المزمنة، بما في ذلك السرطان، وأمراض القلب والرئة.
وفي ظل هذه المعطيات، يرى المختصون أن نتائج الدراسة الأخيرة تشكّل دعوة لتعزيز التعاون بين الباحثين وصنّاع السياسات الصحية والبيئية، من أجل حماية السكان، لا سيما الفئات الأكثر عرضة للخطر، مثل الأطفال وكبار السن، وسكان المناطق الحضرية المكتظة، فالفهم العميق للعلاقة بين التلوث وسرطان الرئة قد يمهّد الطريق لتدابير وقائية فعالة، ويسهم في الحد من عبء هذا المرض على الصحة العامة.